في الوقت الذي أدت فيه جائحة كوفيد-19 إلى اضطراب كبير في سلاسل الإمداد العالمية الهشّة، فوجئت العديد من الشركات بمدى ضعفها في ظل الظروف الراهنة.
فمخاطرة الاعتماد على قاعدة للإمداد تتركز في منطقة جغرافية واحدة شهدت زيادة مطردة على مدى 30 عاماً مضت، ولكن الجائحة سرعان ما أظهرت مستوى الفوضى والاضطرابات التي يمكن أن تنجم عن حدث واحد غير متوقع.
كان ذلك بمثابة نداء صارخ لتصويب الأوضاع، فالاضطراب الذي سببته الجائحة دفع بفرق القيادة إلى مواجهة حقبة جديدة من التقلب في سلاسل الإمداد.
واستعداداً لمرحلة جديدة من استمرار الاضطراب، تعيد كبرى الشركات العالمية التفكير باستراتيجياتها المتعلقة بسلاسل الإمداد لتقليل مخاطر انقطاعها.
وأظهر استطلاع أجرته كل من شركة بين آند كومباني ومعهد ديجيتال سبلاي تشين حديثاً، وشمل 200 شركة في مجال التصنيع،
أن المسؤولين التنفيذيين يضعون المرونة والقدرة على الصمود في مقدمة أهدافهم المتعلقة بسلسلة الإمداد. وضمن الاستطلاع،
قال 36% من المسؤولين فقط أن تخفيض التكلفة يقع ضمن أهدافهم الثلاثة الأولى، مقارنة مع 63% ممن اعتبروها أولوية في السنوات الثلاثة الماضية.
ولتحسين قدرة سلاسل الإمداد على الصمود في وجه الاضطرابات، يخطط 45% من المشاركين في الاستطلاع لنقل عمليات الإنتاج إلى موقع أقرب من الأسواق المحلية في السنوات القادمة. والجانب المشرق هنا هو أن الأتمتة ساهمت في تخفيض تكاليف التصنيع،
وبالتالي التغلب على أفضلية الأيدي العاملة التي كانت الدافع وراء عقود من الاستثمار للإنتاج في دول أخرى. كما أن تكلفة الروبوتات البشرية أصبحت الآن أقل نسبياً،
ما يعني أنه بوسع الشركات التي تدير عمليات قابلة للأتمتة، مثل الإلكترونيات الاستهلاكية، نقل سلاسل الإمداد الخاصة بها إلى موقع قريب دون مواجهة ارتفاع ملموس في التكلفة.
فعلى مدى 30 عاماً ماضية، عملت شركات التصنيع على تخفيض التكلفة في سلسلة الإمداد من خلال توزيع مختلف مراحل سلسلة القيمة بشكل مشتت،
بحيث تتركز كل خطوة لدى عدد محدود من الشركات والمناطق الجغرافية بهدف تحسين الاقتصاديات الضخمة. ونتيجة لذلك، تفتقر معظم فرق القيادة إلى الرؤية الشمولية الكافية لسلسلة الإمداد بما يمكّنها من تقييم المخاطر السياسية والجغرافية التي تتعرض لها.
قبل الاستثمار في استراتيجية جديدة لسلسلة الإمداد، يتعين على فريق القيادة الناجح تقييم مخاطر الموردين ومقاولي التصنيع وفقاً لعاملين هما: الدولة التي يتم فيها إنتاج السلع، وموقع المقر الرئيسي للمورّد.
يحدّد هذان العاملان – وهما مقر المورّد وموقع التصنيع – المخاطر السياسية الجغرافية التي قد تتعرض لها سلسلة التوريد.
وعندما يدرك القادة مدى تلك المخاطر، يمكنهم البدء بتعزيز قدرة سلاسل القيمة على الصمود من خلال عملية من مرحلتين: تتمثل الأولى في سرعة تعزيز مرونة توريد السلع الجاهزة والمكونات الفرعية ذات المخاطرة المرتفعة عند الإمكان،
وذلك للحدّ من المخاطر وإرضاء العملاء. أما الخطوة الثانية فهي اتباع نهج استراتيجي تجاه إعادة التفكير بسلسلة القيمة بشكل كامل.
يتضمن ذلك اتخاذ القرارات حول وتيرة التغيير والمراجعة الدورية للقرارات بناءً على الظروف الخارجية والقدرات الداخلية. وفيما يلي 3 خطوات لمساعدة الشركات على تحقيق الريادة في تعزيز صمود سلسلة الإمداد وقدرتها على مواجهة الاضطرابات:
- تحسين المرونة
تزداد أهمية مرونة سلسلة الإمداد كعنصر يمنحها أفضلية تنافسية بارزة. فالأولوية الأهم لجعل سلاسل الإمداد أكثر قدرة على مقاومة الصدمات هي زيادة مرونتها من حيث القدرة على توفير السلع الجاهزة والمكونات التي تحمل مخاطر مرتفعة.
يساهم ذلك في إتاحة الإمكانية للشركات لتستجيب للتغيرات قصيرة الأمد في ظروف العرض والطلب، إلى جانب الاستجابة الفورية للتغيرات الهيكلية في بيئة سلسلة التوريد.
لا تمتلك الكثير من الدول القدرة الاستيعابية والبنية التحتية اللازمة للتعامل مع هذا العبء بالكامل، ولهذا يلجأ المصنّعون في الغالب إلى حلول مركّبة تضم عدداً من الدول المتجاورة. وبالنسبة للعديد من الشركات،
يكون تنسيق موقع الإنتاج الجديد مع مناطق الطلب طريقة لتحقيق مزايا كبيرة – وبالأخص في الصناعات التي يرتفع فيها الطلب على الرغم من التباطؤ الاقتصادي، كالتقنيات الطبية وعدد من المنتجات الاستهلاكية.
- إعادة دراسة استراتيجية الشبكة بالكامل
على فرق القيادة في كل سلسلة من سلاسل الإمداد العمل على تحقيق التوازن بين المخاطر والصمود بأقل تكلفة إجمالية ممكنة. يتضمن ذلك اتخاذ القرار بالاستيراد من مصدر واحد أو عدة مصادر،
ومكان التصنيع في كل مرحلة من مراحل التجميع والإنتاج، والقرب من العملاء. كما أن عليهم تحديد ما إن كان الإنتاج سيتم في الشركة أو من خلال التعهيد الخارجي،
آخذين بالاعتبار عدداً من المتغيرات كالحوافز الوطنية وانخفاض تكلفة التصنيع. فالشركات الناجحة تعيد دراسة خياراتها لسلسلة التوريد بشكل مستمر، وبخاصة في فترات الاضطراب.
- موازنة التكلفة والمخاطر
لا ينبغي أن تغطي المرونة والقدرة على الصمود على كافة الاعتبارات الأخرى، ففيما تبدأ فرق القيادة بفهم النقاط التي تحتاج إلى المرونة،
تواجه قرارات مهمة لموازنة التكلفة. فاستثمار مبالغ أكثر من اللازم للمرونة قد يضع الشركة خارج إطار المنافسة، ولهذا فإن الشركات الناجحة تحدد مدى الصمود والمرونة الذي تحتاجه،
وأين يلعبان الدور الأهم وما يمكنها أن تتحمل تكلفته عندما تعيد تصميم سلاسل الإمداد الخاصة بها للمستقبل.
من الممكن أن تصبح سلاسل الإمداد التي تتسم بالمرونة والقدرة على الصمود بمثابة تحوّط دفاعي قوي إلى جانب كونه مصدراً للأفضلية التنافسية.
يستفيد القادة من الخيارات المختلفة كوجود نطاق فاصل للقدرات الإنتاجية والبنية التحتية الرقمية والفرق القادرة على التصرف السريع بمزيد من الكفاءة مقارنة بأقرانهم.
وتتباين الاستثمارات اللازمة لبناء وإدامة تلك القدرات اعتماداً على مدى حاجة الشركة للكفاءة وسرعة الاستجابة، إلى جانب مستوى التنافس في القطاع.
ولهذا السبب لا بد من ربط خارطة الطريق اللازمة لتعزيز قدرة سلاسل الإمداد على الصمود باستراتيجية الأعمال طويلة الأمد للشركة.
على سبيل المثال، يختلف نوع مرونة سلسلة الإمداد في القطاعات عالية النمو التي تتسم بارتفاع الأرباح وقصر دورة حياة المنتج، إلى جانب الاعتماد على استيراد المكونات والقطع من مصادر موزّعة على نطاق واسع،
مثل الهواتف الخلوية المتطورة، وذلك بالمقارنة مع القطاعات عالية التنافسية ذات الأرباح المنخفضة كالملابس والألعاب، والتي تعتمد على السلع الجاهزة المستوردة.
ستساهم ظروف التقلّب والاضطرابات السياسية في المناطق الجغرافية في تحوّل إدارة سلسلة الإمداد خلال العقد القادم، وستتمكن فرق القيادة التي تستثمر في الاستراتيجيات المناسبة لتعزيز القدرة على الصمود من تحقيق أفضلية تنافسية ملموسة في الوقت ذاته.