تنطلق النسخة السادسة من فعالية «الفرص فين؟» لعام 2026، وذلك في 31 ديسمبر 2025 بالحرم اليوناني (جريك كامبس)، لتؤكد أن الحدث لم يعد مجرد لقاء سنوي يُختتم به العام، بل أصبح “مؤشر أساسي” يقرأ تحولات السوق ويترجمها إلى نقاش عملي مبكر يساعد رواد الأعمال والمستثمرين على فهم أين تتحرك الفرص فعلًا. فمنذ أن تبنّت Startup Grind Cairo الفكرة وحولتها إلى محطة سنوية ثابتة، ظل جوهر «الفرص فين؟» قائمًا على مبدأ واحد: أن تتقدم النقاشات متنبأة بحركة السوق، قبل أن تتصدر سوق ريادة الأعمال المحلي والإقليمي.
ويأتي انعقاد النسخة السادسة في توقيت استثنائي بالنسبة لمنظومة ريادة الأعمال في مصر والمنطقة، حيث تكشف البيانات أن السوق يتغير بسرعة من حيث نوعية التمويل، وتفضيلات المستثمرين، وأولويات الشركات الناشئة نفسها. فعلى مستوى المنطقة، تشير بيانات ومضة إلى أن إجمالي التمويل الذي جمعته الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغ نحو 3.5 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من 2025، منها 900 مليون تمويلات و2.6 مليار تمويلات بالدين، وهو رقم يلخص عامًا “انتقائيًا” أكثر منه “احتفاليًا”، إذ لم يعد رأس المال يُمنح لمجرد النمو، بل لصلابة النموذج وقدرته على الاستمرار وفي الصورة نفسها يظهر ثقل أسواق بعينها داخل الإقليم؛ فالتقارير المرتبطة ببيانات تشير إلى أن السعودية استحوذت على النسبة الأكبر من التمويلات في المنطقة.
أما في مصر، فالصورة تجمع بين “المرونة” و”إعادة الضبط” في آن واحد مع بقاء مصر في صدارة نشاط الشركات الناشئة في أفريقيا، وهو ما يوضح أن السوق حتى حين يمر بتذبذبات لا يفقد زخمه، بل يعيد ترتيب أولوياته.
هنا تحديدًا تتضح فلسفة «الفرص فين؟» باعتبارها فعالية تقرأ التغيرات وهي تتشكل. ففي النسخة الخامسة التي انعقدت 2024، لم تُطرح “الفرص” ككلمة عامة، بل قُدِّمت كقطاعات قابلة للاشتباك: التحول الرقمي والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الزراعية، مع تأكيد أن الفعالية حققت أكثر من مليوني مشاهدة عبر منصات التواصل، وهو ما يفسر لماذا صار تأثيرها ممتدًا خارج القاعة إلى مساحة الرأي العام الريادي.
كما كانت النسخ السابقة بمثابة بناء تدريجي لمحتوى بالتوجهات المستقبلية في الأسواق الإقليمية مع تقديم طرق لبناء نماذج أعمال أصلب في مواجهة تقلبات أسعار الصرف وتغير تكلفة رأس المال، مع تركيز واضح على أن طريق التوسع الإقليمي وربطه بالنجاح في السوق المحلي أولًا.
كانت «الفرص فين؟» “سابقة” في طرح القضايا التي ستصبح لاحقًا في صدارة الأجندة، خصوصًا في التكنولوجيا المالية وما حولها. ففي الحوار الذي أداره حسين المناوي وقتها، ظهرت مبكرًا مفاهيم تتقاطع مباشرة مع ما نراه اليوم من جدل حول الاستدامة المالية والديون الاستهلاكية وإدارة المخاطر، عندما ناقش المتحدثون أثر ارتفاع التضخم والفائدة على سوق البيع بالتقسيط، والحاجة إلى تنظيم السوق والرقابة عليه، وهي النقطة التي تُعد اليوم قلب النقاش حول نماذج BNPL في المنطقة.
وفي النسخة نفسها أيضًا نوقشت فرص B2B Marketplaces بوصفها سوقًا قادرًا على استيعاب مزيد من اللاعبين في مصر، كما جرى الحديث عن اتساع سوق المنتجات المستعملة كاستجابة ذكية لأزمة الاستيراد وارتفاع الأسعار، وفي المقابل تم تناول التعليم عن بعد بنظرة نقدية زمنية تفرق بين الحلم والجاهزية والبنية التحتية.  وبنفس الروح، تم التأكيد على أن التكنولوجيا المالية “ورقة رابحة” طويلة المدى وأن نموها يعتمد على فكرة جيدة وتنفيذ جيد، في قراءة مبكرة تفسر لماذا أصبحت الفنتك في صدارة اهتمام المستثمرين من جديد عند كل موجة تعافٍ.
على هذه الخلفية تأتي النسخة السادسة في 2026 كحلقة “تراكم منطقي” لا كقفزة مفاجئة، لأنها تعيد ترتيب الأسئلة حول نفس الجوهر: أين تتحول التكنولوجيا إلى قيمة؟ وأين تتحول الضجة إلى فقاعة؟ وفي قلب ذلك، يبرز الذكاء الاصطناعي ليس كمصطلح لامع، بل كطبقة تشغيل جديدة تعيد تعريف إنتاجية الشركات، وتجربة العملاء، وسرعة بناء المنتجات، وبالتوازي يبرز BNPL والتمويل المدمج كقصة متصلة بمفاهيم أقدم ناقشتها الفعالية مبكرًا مثل التقسيط وإدارة المخاطر ووعي المستهلك، لكن هذه المرة ضمن منظومة أكثر نضجًا من حيث البيانات والحوكمة والتكامل مع الخدما…



