أكد الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء لتقديم حلول أزمة الدين العالمية، أن النماذج الجامدة للتخطيط لم تعد صالحة لمواكبة الأزمات الجيوسياسية والتنموية المتلاحقة، داعيًا إلى التحول نحو التخطيط المرن والاستشرافي الذي لا يحدد فقط الهدف النهائي بل يساهم كذلك في الاستعداد للمفاجآت والصدمات المحتملة في الطريق للوصول إلى هذا الهدف.
جاء ذلك خلال مشاركته في جلسة حول “مستقبل التخطيط في ظل عالم متغير” عقدها معهد التخطيط القومي، بمناسبة مرور 65 عامًا على تأسيس المعهد، أدارها الدكتور أشرف العربي، رئيس المعهد، وشارك فيها الدكتور خالد زكريا أمين، مدير مركز السياسات الاقتصادية الكلية بالمعهد، والدكتور جيمي بويكس، المدير التنفيذي لتحالف القطاع العام المحلي.
في بداية كلمته، نوه محيي الدين عن أهمية استعادة إرث الرواد والدور المحوري لمؤسس المعهد الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن، واصفًا إياه بنموذج نادر جمع بين العالمية والمحلية، حيث أسس المعهد كركيزة لترسيخ الفكر التخطيطي العلمي وربطه بصنع السياسات العامة، وساهم دوليًا كأحد المؤسسين الرئيسيين لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، كما جسد البعد الاجتماعي للتنمية عبر إسهاماته الملموسة في مسقط رأسه بمركز كفر شكر، من دعم للتعليم والصحة ورعاية الفقراء.
وأشار محيي الدين إلى أهمية أن يشمل التخطيط إدارة عدم اليقين والمخاطر، والانتقال من “الخطة” إلى “التخطيط” كمحرك لسياسات منضبطة قابلة للتنفيذ.
وأطلق محيي الدين دعوة هامة لتعزيز السيادة التنموية الوطنية، مشيرًا إلى أنه مع اقتراب نهاية برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي العام المقبل، تبرز ضرورة إعداد برنامج وطني بديل موضوعي وذو مصداقية، يتم من خلاله تجاوز الاختلالات المالية بحيث لا يتم الاكتفاء بتحقيق الاستقرار النقدي وضبط العجز فحسب، بل العمل على زيادة الصادرات وتوطين التنمية ورفع التنافسية، مع أهمية توحيد الجهود وربط الخطط التنموية بالموازنة العامة للدولة.
واستعرض محيي الدين التحديات الزمنية التي تواجه العمل التنموي حيث لم يتبق سوى سنوات قليلة للوصول إلى عام 2030، بينما لم يتحقق عالميًا سوى نحو 17% من أهداف التنمية المستدامة، وهو ما يجعل الحاجة ملحة لتخطيط عاجل ووضع برنامج تنفيذي واضح للسنوات الخمس المقبلة (2026-2030) يحدد المستهدفات والتمويل اللازم بدقة.
وشدد على ضرورة أن يكون الإنسان محور التخطيط لهذه التنمية، مؤكدًا أن جودة الحياة والعدالة الاجتماعية والاستثمار في رأس المال البشري هي المعايير الحقيقية لنجاح أي خطة.
ونوه محيي الدين عن أهمية التحولين الرقمي والأخضر كأدوات استراتيجية في التخطيط للمرحلة المقبلة، مشددًا على أن التحولات المعاصرة تفرض على المخططين اعتماد التخطيط القائم على البيانات والأدلة لتحسين كفاءة الإنفاق العام، وإدماج الاعتبارات المناخية وتكلفة التدهور البيئي في عملية اتخاذ القرار، واستخدام الحلول الذكية في قياس الانبعاثات ودعم نظم الإنذار المبكر للمخاطر.



