أصدر مجلس الشباب المصري، من خلال غرفة العمليات المركزية للبرنامج الوطني لرصد ومتابعة الاستحقاقات الانتخابية ومرصد المجتمع المدني، تقريره التحليلي لمنتصف اليوم الأول من جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب، كاشفًا عن تحولات واضحة في المشهد الانتخابي، انتقل خلالها من الهدوء النسبي في الساعات الأولى إلى حالة من التفاعل التنافسي المكثف داخل عدد من الدوائر ذات الثقل التصويتي.
ويغطي التقرير مجريات التصويت داخل 55 دائرة فردية موزعة على محافظات القاهرة الكبرى ووسط وجنوب وشرق الدلتا، يتنافس فيها 202 مرشح، حيث رصد المتابعون انتظام فتح غالبية اللجان والالتزام بالإجراءات المنظمة للعملية الانتخابية، مع تسجيل حالات تأخير محدودة جرى تداركها دون تأثير جوهري على سير التصويت.
وأشار التقرير إلى ارتفاع تدريجي في معدلات الإقبال خلال الساعات الماضية من اليوم الانتخابي، خاصة في الدوائر التي تشهد تقاربًا حادًا في الفرص بين المرشحين، مع ملاحظة تباين نسبي في أنماط المشاركة بين المناطق الحضرية والريفية، حيث بدت المشاركة أكثر تنظيمًا في القرى والمناطق ذات الطابع العائلي، مقابل مشاركة أقل نسبيًا في بعض المناطق الصناعية. كما لوحظ تصدر مشاركة النساء لساعات التصويت الأولى في عدد من المحافظات، في حين برز حضور شبابي لافت في عدد من الدوائر الحضرية.
وعلى صعيد النزاهة الانتخابية، وثّق تقرير مجلس الشباب المصري نماذج واضحة ومحددة للمخالفات التي تعكس تنوع أدوات التأثير على إرادة الناخبين، من بينها:
ففي محافظة المنوفية، رُصدت وضُبطت وقائع متعلقة باستخدام الرشاوي الانتخابية بمحيط لجان انتخابية في دوائر شبين الكوم والباجور وأشمون، حيث تم التحفظ على مبالغ مالية كانت مُعدة للتوزيع على الناخبين مقابل التصويت.
وفي محافظة القاهرة، لا سيما بدوائر حلوان ودار السلام وحدائق القبة والمطرية، جرى رصد محاولات توجيه الناخبين خارج اللجان، وضبط أشخاص بحوزتهم مبالغ مالية وكروت دعاية انتخابية، إلى جانب استمرار أنشطة دعائية بالمخالفة لفترة الصمت الانتخابي.
أما في محافظة الغربية، خاصة بدائرة بندر المحلة الكبرى، فقد رُصد استخدام وسائل نقل جماعي وغير رسمية في حشد وتوجيه الناخبين، إلى جانب وقائع شراء أصوات أمام عدد من المدارس المستخدمة كلجان انتخابية.
وفي محافظة الدقهلية (بلقاس وأجا)، رُصدت وقائع حيازة بطاقات رقم قومي خاصة ببعض المواطنين، إلى جانب مبالغ مالية، بما يشير إلى محاولات توجيه انتخابي أو ضمان تصويتي والتي تُعد من أخطر صور التأثير على حرية الاختيار.
كما وثّق التقرير في محافظتي الشرقية والإسماعيلية ضبط وقائع تضمنت استخدام الرشاوي المالية مقترنًا بتوزيع سلع غذائية أو دعاية انتخابية، فضلًا عن استخدام مكبرات صوت ووسائل بديلة للحشد والتوجيه بمحيط عدد من اللجان.
وأشار التقرير كذلك إلى استمرار خرق الصمت الانتخابي عبر منصات التواصل الاجتماعي، من خلال حملات توجيه منظمة لصالح عدد من المرشحين، خاصة في الدوائر التي تشهد تنافسًا حادًا، بما يعكس انتقال جزء من المخالفات من المجال الميداني إلى الفضاء الرقمي.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد ممدوح، رئيس مجلس أمناء مجلس الشباب المصري وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن ما تم رصده يعكس الطبيعة الخاصة لجولات الإعادة، قائلًا:
“جولات الإعادة تُعد الاختبار الأصعب لنزاهة أي عملية انتخابية، حيث تتزايد محاولات التأثير على الناخبين. دور المجتمع المدني لا يقتصر على الرصد، بل يمتد إلى تقديم قراءة حقوقية متوازنة تفرق بين انتظام الإجراءات من جهة، والتحديات التي تمس حرية الإرادة من جهة أخرى.”
وشدد ممدوح على أن ضبط المخالفات يمثل رسالة مهمة، لكنه أكد أن ضمان النزاهة يتطلب التزامًا سياسيًا وأخلاقيًا كاملًا من جميع الأطراف، إلى جانب إنفاذ القانون ورفع وعي المواطنين بحقهم في الاختيار الحر دون ضغط أو مقابل.
ويؤكد مجلس الشباب المصري أن تقرير منتصف اليوم الأول لا يهدف إلى إصدار أحكام نهائية، بل إلى تحليل الاتجاهات العامة للمشهد الانتخابي، ورصد مواطن القوة والخلل على حد سواء، دعمًا لمسار انتخابي أكثر شفافية، وتعزيزًا لثقة المواطنين في العملية الديمقراطية.
ويواصل مرصد المجتمع المدني وغرفة العمليات المركزية متابعة مجريات التصويت حتى غلق اللجان، تمهيدًا لإصدار تقارير لاحقة ترصد الساعات الحاسمة من جولة الإعادة، في إطار التزام المجلس بدوره الرقابي والحقوقي المستقل.



