يظل اسم الإمام الراحل الدكتور أحمد عمر هاشم محفورًا في ذاكرة الأزهر الشريف وفي وجدان الأمة الإسلامية، باعتباره أحد أعلام الفكر والدعوة، ورمزًا من رموز الوسطية والاعتدال، الذي جمع بين عمق العلم الأزهري ورهافة الحس الأدبي.
ومن أبرز المؤلفات التي تناولت سيرة ومسيرة الإمام الراحل، كتاب “رجال أدبهم القرآن”، ضمن سلسلة عباقرة الدعاة، للكاتب والإعلامي الإذاعي محمود عمر هاشم، ابن شقيق فضيلته، الذي استعرض في مؤلفه نشأة الإمام العلمية والأدبية منذ صباه، داخل العائلة الهاشمية العريقة، تلك الأسرة التي أنجبت علماء وأدباء ونابغين في شتى المجالات.
وقد تأثر الإمام الراحل منذ صغره بعلم الأستاذ الدكتور الحسيني عبد المجيد هاشم، وكيل الأزهر الشريف الأسبق، الذي وصلت مؤلفاته في علوم الدين إلى مكتبات الجامعات الأوروبية، كما نهل من معين الإبداع والكرم الذي اتصف به الشيخ محمود أبو هاشم، أحد أعلام الشرقية والأزهر الشريف، فيما ورث من والده الشيخ عمر أبو هاشم—ذلك الصوفي الزاهد الذي أحبه الناس في سائر محافظات الجمهورية—البشرى الصادقة بأن ابنه سيكون من كبار علماء الأمة، وأن صوته سيصل إلى آفاق الدنيا.
نشأ الإمام الراحل وسط هذه البيئة العلمية الثرية، فاعتلى المنبر وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره في مسجد الأربعين بقريته، وهو المسجد الذي أعاد بناءه لاحقًا على نفقته الخاصة، وفق أحدث الطرز المعمارية الإسلامية. وواصل دراسته بمعهد الزقازيق الأزهري حتى أنهى المرحلة الثانوية، ثم التحق بالكلية التي طالما حلم بها، كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية، ونظم أبياتًا شعرية احتفاءً بالتحاقه بها، لتظهر موهبته الأدبية مبكرًا إلى جانب نبوغه العلمي.
حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة الأزهر، وتدرج في المناصب حتى صار عميدًا لكلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق، ثم رئيسًا لجامعة الأزهر الشريف لفترتين متتاليتين بقرارات جمهورية، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
وعُيِّن فضيلته عضوًا بمجلس النواب ورئيسًا للجنة الدينية بالمجلس لعدة دورات بقرارات جمهورية، ثم اختير عضوًا بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
امتلك الإمام الراحل إنتاجًا علميًا غزيرًا تجاوز المائة مؤلف، من أبرزها موسوعته الكبرى “فيض الباري في شرح صحيح البخاري” التي استغرق في تأليفها ستة عشر عامًا، وضمت ستة عشر مجلدًا. وقد نال فضيلته جائزة شخصية العام الإسلامية من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، تقديرًا لعطائه وجهوده في خدمة الإسلام والإنسانية.
ويواصل تراث الإمام الراحل الدكتور أحمد عمر هاشم إشعاعه الفكري والأدبي، مؤكدًا مكانته كأحد أبرز علماء الأزهر الشريف الذين جمعوا بين عمق الفكر الديني وجمال الإبداع الأدبي.
فقد تناول الإمام الراحل في مؤلفاته وإبداعاته الأدبية مختلف أركان الإسلام من صلاة وصيام وحج، إلى جانب ما قدمه في باب المعاملات الإسلامية، ليؤكد من خلالها رؤيته الوسطية القائمة على الاعتدال والرحمة ونشر القيم النبيلة.
ولم تقف إبداعات الإمام عند حدود الفكر والعلم، بل امتدت إلى الأدب والشعر، حيث تناول في مؤلفاته أركان الإسلام من صلاة وصيام وحج ومعاملات، وكتب قصيدته الشهيرة “نهج البردة” في مدح الرسول الكريم ﷺ، ليكون أول من نظم “نهج البردة” بعد الإمام البوصيري، في عمل أدبي فريد جمع بين الحب النبوي واللغة الرفيعة.
ويُنتظر أن يصدر قريبًا آخر ما تركه الإمام من مؤلفات، وهو “مُجلّد التفسير للقرآن الكريم” في أربعة أجزاء، الذي يمثل ثمرة عمره العلمي وخلاصة فكره التفسيري، ليضاف إلى سجل إنجازاته التي ستظل منارات مضيئة في مسيرة الأزهر والفكر الإسلامي المعاصر.
رحم الله الإمام الراحل الذي رحل بجسده، وبقي فكره وإبداعه شاهدين على عالمٍ حمل رسالة الأزهر الشريف ورفع راية الوسطية والعلم في زمن تتعطش فيه الأمة إلى أمثاله.
رحم الله الإمام العالم الأزهري الجليل، الذي عاش عالمًا وأديبًا، وخلف للأمة إرثًا خالدًا من العلم والمحبة والاعتدال.