أكد الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء لتقديم حلول لأزمة الدين العالمية، على الحاجة الملحة إلى إصلاحات متكاملة في الهيكل المالي العالمي ومنظومة الديون وتمويل المناخ، وذلك لمواجهة حالة الطوارئ الإنمائية التي يمر بها العالم كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة.
جاء ذلك في كلمته الرئيسية التي ألقاها في جلسة بعنوان “تمويل التنمية المستدامة والتعامل مع آليات تعديل حدود الكربون في مشهد الطاقة المتغيّر” ضمن فعاليات النسخة الخامسة من الحوار الوطني القطري حول تغير المناخ المنعقد في العاصمة القطرية الدوحة والذي تنظمه مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.
وقال محيي الدين إن تنفيذ أهداف التنمية المستدامة يواجه أزمة حقيقية حيث أن ١٥٪ فقط من الأهداف تسير في المسار الصحيح، فيما تُقدّر فجوة التمويل التنموي العالمي بأكثر من ٤ تريليونات دولار سنويًا، منها نحو ١,٨ تريليون دولار سنويًا للعمل المناخي.
وأوضح أن تنفيذ أجندة ٢٠٣٠ يتطلب أربعة إجراءات متوازية تشمل إصلاح النظام المالي العالمي ليكون أكثر شمولًا وعدالة، وإصلاح هيكل الديون الدولي لمواجهة أزمة الديون الصامتة التي تهدد التنمية في الدول النامية، وسد فجوة تمويل المناخ، وتبني سياسات تمويل وطنية فعالة.
وسلّط محيي الدين الضوء على أزمة الديون المتفاقمة، مشيرًا إلى أن أكثر من ٣,٤ مليار شخص يعيشون في دول تنفق حكوماتها على خدمة الدين أكثر مما تنفقه على الصحة أو التعليم، وطرح في هذا الصدد توصيات رئيسية لإصلاح الهيكل الدولي للديون أبرزها تخفيف أعباء الديون عبر إدراج بنود تعليق السداد التلقائي خلال الكوارث المناخية أو الأوبئة في جميع أدوات الإقراض الجديدة، وإطلاق آلية إعادة التمويل الأخضر للدول المعرضة لمخاطر السيولة المؤقتة لحماية الاستثمارات الاجتماعية والمناخية الأساسية، وإنشاء نادي للمقترضين لتعزيز الصوت الجماعي للدول النامية في التفاوض مع الدائنين، وإصلاح آليات تحليل استدامة الديون لتأخذ في الحسبان احتياجات الاستثمار في التنمية البشرية والتكيف المناخي.
ونوه محيي الدين عن أهمية أن يركز مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) على البناء على الزخم الذي تمحض عن مؤتمر تمويل التنمية الرابع (FfD4) عبر ربط أجندات التمويل والتنمية والديون والمناخ بشكل متكامل، وتحديد مسار واضح لهدف التمويل المناخي الجديد انطلاقًا من العام الجاري.
وتناول محيي الدين في كلمته انعكاسات آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) الأوروبية، التي ستفرض رسومًا على واردات السلع كثيفة الانبعاثات اعتبارًا من يناير القادم، حيث وصفها محيي الدين بأنها تُعد إجراءً تجاريًا أحاديًا يثير قلق الدول النامية ويُعتبر شكلًا من أشكال الحماية التجارية المُقنّعة، مشيرًا في هذا السياق إلى تقارير حديثة صادرة عن الإسكوا وصندوق النقد الدولي تظهر أن الدول العربي ستواجه أعباء كبيرة نتيجة تطبيق هذه الآلية .
وحذر من أن آلية CBAM ستُضعف تنافسية الاقتصادات العربية المعتمدة على صادرات السلع كثيفة الكربون إلى أوروبا، داعيًا دول مجلس التعاون الخليجي إلى التعاون المشترك لمواجهة الانعكاسات السلبية، وذلك عبر خفض كثافة الانبعاثات في الصادرات والاستثمار في الطاقة النظيفة، وتبني سياسات وطنية لتسعير الكربون لتقليل الالتزامات المفروضة ضمن CBAM، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجالات تطوير أنظمة القياس والإبلاغ والتحقق (MRV) الموحدة للانبعاثات، وإنشاء نظام خليجي موحد للتحقق من الصادرات منخفضة الكربون، والاستثمار المشترك في مشروعات إقليمية كبرى لإزالة الكربون.
وأشاد محيي الدين بالتزامات دول الخليج بتحقيق الحياد الصفري بحلول عام ٢٠٥٠ للإمارات وقطر وعمان، و٢٠٦٠ للسعودية والبحرين، والجهود الطموحة لهذه الدول في مشروعات الطاقة المتجددة مثل مشروعات الطاقة الشمسية، ومشروعات التقاط الكربون وتخزينه، والاستثمار في الهيدروجين الأخضر.
ودعا إلى الاهتمام بالأدوات التمويلية المبتكرة التي يمكن أن تدعم هذا الانتقال العادل مثل أسواق الكربون، والصناديق السيادية ودورها المحوري كأدوات رئيسية لتوجيه الاستثمارات نحو الطاقة النظيفة، والصكوك والسندات الخضراء.
واختتم الدكتور محيي الدين بالتأكيد على أن تمويل التنمية المستدامة يمثل استثمارًا في مستقبل أكثر إنصافًا واستقرارًا، وأن التعاون الإقليمي هو العنصر الأساسي لضمان انتقال عادل للطاقة وصون القدرة التنافسية لاقتصادات المنطقة.