في ليلة عطرة تنفست فيها الأرواح نسائم الإيمان، توافد الآلاف من مختلف محافظات الجمهورية إلى الساحة الهاشمية بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، حيث نظمت نقابة السادة الأشراف احتفالها السنوي الكبير بالمولد النبوي الشريف. المناسبة لم تكن مجرد احتفال ديني، بل ملتقى روحياً واجتماعياً يفيض بالمحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالابتهال والدعاء لمصر وأبنائها.
الاحتفالية التي تعد من أبرز الملتقيات الدينية أقيمت برعاية فضيلة الدكتور محمد محمود أبوهاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية وأمين سر لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب. وقد أكد أبوهاشم أن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم هو ميلاد أمة خرجت من الظلمات إلى النور، ومناسبة لتجديد العهد مع سنته وأخلاقه التي حملت للعالمين الرحمة والعدل والسلام.
كلمات العلماء المشاركين من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والدول الإسلامية ركزت على أن الاحتفال الحقيقي بالمولد النبوي لا يقتصر على المظاهر، بل يتمثل في الاقتداء بالرسول الكريم في أقواله وأفعاله، والعمل بما جاء به من مبادئ الحق والخير، ليبقى هديُه منارة تهدي الأجيال جيلاً بعد جيل.
وتجلّت الأجواء الروحانية في صوت المداح فضيلة الشيخ الطيب النمر، ابن مدينة طنطا، الذي أطرب القلوب بمدائحه النبوية وابتهالاته العذبة، فارتفعت الأكف بالدعاء والعيون تفيض بالدموع، في مشهد جسّد محبة الأمة لنبيها الخاتم صلى الله عليه وسلم.
وفي ختام الليلة المباركة، توحّدت أصوات الحضور بالدعاء لمصر أن يحفظها الله، وأن يديم عليها نعمة الأمن والسلام، وأن يوفق جيشها وشرطتها البواسل في حماية أرضها، لتظل هذه الذكرى العطرة محطة إيمانية متجددة نستمد منها القوة على السير في طريق البناء والوحدة والازدهار.
ولا يخفى أن مثل هذه الاحتفالات، بما تحمله من أجواء روحانية ومشاركة جماهيرية واسعة، تعكس عمق الانتماء والارتباط بين المصريين ودينهم ووطنهم، كما تؤكد دور الأزهر الشريف ومؤسسات الدولة الدينية في ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال، ومواجهة الفكر المتطرف. فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف في رحاب مصر لم يعد مناسبة دينية فحسب، بل مناسبة وطنية تعزز روح التضامن بين أبناء الوطن، وتؤكد أن قوة مصر الحقيقية تكمن في وحدتها وتماسك شعبها خلف راية واحدة.