رئيس التحرير

أرشد الحامدي

رئيس التحرير التنفيذي

وفاء رمضان

مديروا التحرير

آيه القصاص
محمد عوض

رئيس التحرير

أرشد الحامدي

رئيس تحرير تنفيذي

وفاء رمضان

مديروا التحرير

آيه القصاص
محمد عوض

“أحمد عبدالعال يكتب “الهوية المصرية مزيج فريد .. “بين إرث الأجداد ومعركة الأجيال القادمة” 

 

منذ آلاف السنين، تشكّلت الهوية المصرية كنسيج متماسك يجمع بين الإيمان العميق بالشرائع السماوية والقيم الأخلاقية الراسخة والانتماء الصادق للوطن هذا المزيج الفريد كان سرّ تماسك المصريين في مواجهة الغزاة والأزمات وهو الذي جعل مصر دائمًا “أم الدنيا” في نظر أبنائها والعالم لكن في السنوات الأخيرة بدأ هذا النسيج يتعرض لاهتزازات تهدد ملامحه الأصيلة.

فبحسب دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 2023، فإن 37 % من الشباب المصري بين 15 و 25 عاماً يشعرون أن ارتباطهم بالهوية الوطنية أضعف مما كان عليه الجيل السابق بينما تري 52 % من العينه أن الانتماء اليوم أصبح “مشروطًا” بتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لا قائمًا على الشعور الفطري فقط هذه الأرقام تكشف عن تحوّل خطير من الولاء غير المشروط إلى الولاء القائم على المقابل.

والأمر لا يقف عند حدود الشعور بل يمتد إلى المعرفة التاريخية والثقافية ففي استطلاع أجرته إحدى الجمعيات الأهلية المتخصصة في التربية الوطنية عام 2024 على 1200 طالب في المرحلة الإعدادية والثانوية تبين اكثر من 60% من المشاركين لا يعرفون تفاصيل حرب السادس من أكتوبر 1973 وأن نسبة كبيرة منهم لا يستطيعون ذكر أسماء أكثر من ثلاثة من زعماء مصر التاريخيين الأخطر أن عدداً منهم لا يجيد القراءة والكتابة بالعربية بشكل سليم نتيجة الانغماس في المحتوى الأجنبي ووسائل التواصل التي تهمّش اللغة الأم.

هذا التآكل المعرفي والثقافي يعكس تعكر “الخلطة المصرية” التي طالما تميزت بثلاثة مكونات أساسية : الإيمان بالله ، الأخلاق، وحب الوطن كانت هذه الثلاثية تحكم سلوك الفرد وتشكّل معايير المجتمع أما الآن فقد تغيرت المقاييس صار النجاح يُقاس بعدد المتابعين على مواقع التواصل والشهرة تُبنى أحيانًا على محتوى فارغ أو صادم بينما تتراجع قيمة التضحية والصالح العام في سلم الأولويات.

 

في هذا السياق، يقول المفكر المصري الدكتور مصطفى الفقي:” الانتماء الحقيقي لا ينشأ من الشعارات، بل من إدراك الفرد لتاريخه وفهمه لدوره في حاضره ومستقبله ” ويضيف أن الحفاظ على الهوية الوطنية يتطلب مشروعًا وطنيًا ثقافيًا وتعليميًا شاملاً يعيد الاعتبار للغة العربية والتاريخ المصري في وجدان الشباب وأيضا قال ” الهوية المصرية ليست في خطر الفقد الكلي، لكنها تتعرض لتآكل تدريجي إذا لم تُحصّن بالثقافة والتعليم الجاد”.

كما أن التجارب العالمية تؤكد الحفاظ على الهوية يحتاج إلى جهد مؤسسي، ففي اليابان مثلاً يتم غرس قيم الانتماء عبر المناهج منذ الصفوف الأولى بحيث يعرف الطفل تاريخ بلاده وقيمها قبل أن يتقن أي لغة أجنبية ، وفي فرنسا تعتبر حماية اللغة الفرنسية “قضية سيادة” وليست مجرد شأن ثقافي ، فكيف بمصر صاحبة أقدم حضارة في التاريخ ألا تجعل من حماية هويتها أولوية قصوى؟

 

كما تشير دراسة حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 2024، فإن:

54 % من الشباب المصري يشعرون بضعف الدافع للمشاركة في أنشطة وطنية أو مجتمعية دون مقابل مادي.

41 % لا يزالون متمسكين بهويتهم الوطنية، ويشاركون بإرادتهم الحرة في مبادرات تطوعية.

5% لا يبدون اهتمامًا بأي أنشطة وطنية أو مجتمعية على الإطلاق.

 

الا انه يجب الا نغفل الجانب الإيجابي من هذه الإحصائيات حيث تكشف عن شريحة معتبرة من الشباب (حوالي 41%) ما زالت متمسكة بهويتها الوطنية رغم كل التحديات وتشارك في الأنشطة المجتمعية والوطنية بإرادتها الحرة دون انتظار أي مقابل مادي هذه النسبة تمثل نواة صلبة يمكن أن تُعيد للأمة قوتها المعنوية إذا تم الاستثمار فيها بالشكل الصحيح.وهنا تبرز الحاجة المُلِحّة لتعزيز هذه الروح من قِبل قيادات الدولة عبر دعم مباشر ومستمر وبرامج تعليمية وثقافية وإعلامية توازي حجم التحديات فالأمر لا يقتصر على الجانب التنموي فقط بل يُعدّ قضية أمن قومي ، لأن هؤلاء الشباب المخلصين الذين يعملون بدافع الحب والانتماء وحده يمثلون خط الدفاع الأول عن استقرار الوطن وحمايته من التحديات الفكرية والثقافية التي تستهدفه ومن ثم فإن منح هذه الشريحة الفرصة والاعتراف والدعم هو استثمار في بقاء الدولة نفسها وقوتها.

 

إعادة بناء الهوية المصرية ليست ترفًا بل ضرورة وجودية فهي لا تتعلق فقط بالذاكرة التاريخية أو المشاعر الوطنية بل تمس الأمن القومي نفسه شعب بلا هوية متماسكة هو شعب هش أمام حملات التشويه والتفكيك الثقافي وفقدان الثقة في المستقبل

إن إنقاذ الخلطة الذهبية الإيمان بالله ، الأخلاق، وحب الوطن – يتطلب خطة شاملة تبدأ من المدرسة، مرورًا بالإعلام، وصولًا إلى سياسات الدولة يجب أن نعيد صياغة المناهج لتربط بين القيم الدينية والأخلاقية والسلوك الوطني وأن نقدّم رموزنا التاريخية بأسلوب عصري يجذب الجيل الجديد، وأن نستخدم وسائل التواصل نفسها التي تباعد بين الأجيال لتقريبهم من جذورهم.

كما يحضرني في هذا المقام ماحذر منه أ.د/ جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق في أحد مقالاته من أن “تفكك منظومة القيم الوطنية والمعرفية يؤدي إلى هشاشة الانتماء ويفتح الباب أمام ولاءات بديلة”.

فالمعركة الحقيقية ليست بين الأجيال بل بين الأصالة والتلاشي ومصر التي احتفظت بهويتها عبر آلاف السنين، قادرة اليوم على تجديد عهدها مع نفسها، إذا أدركنا جميعًا أن الهوية ليست إرثًا محفوظًا في الكتب، بل هي ممارسة يومية تبدأ من أبسط سلوك وتنتهي بأكبر قرار.

فيسبوك
تويتر
واتسآب
إيميل
طباعة