دعا الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء رفيعي المستوى لتقديم حلول لأزمة الدين العالمي، إلى إعادة صياغة العولمة على النحو الذي يجعلها أداة لتحقيق التنمية المستدامة للدول النامية.
جاء ذلك خلال مشاركته في جلسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC) رفيعة المستوى التي عُقدت تحت عنوان “الاتجاهات العالمية وتأثيراتها المستقبلية: العولمة والتعاون الدولي في عالم متغير”، والتي شارك فيها ريبيكا جرينسيبان مايوفيس
الأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، و بوب راي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، وإليزابيث كوزينز، المديرة التنفيذية لمؤسسة الأمم المتحدة، ويوريكو كويكي، حاكمة طوكيو، وروزماري إديلون، نائبة وزير الاقتصاد والتخطيط والتنمية في الفلبين.
وقال محيي الدين إن نموذج العولمة الحالي يواجه تحديات هيكلية، موضحًا أنه بالرغم من المكاسب الاقتصادية التي حققتها العديد من الدول النامية خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن العولمة غير المنضبطة أدت إلى تركز الثروات، وتفاقم التفاوتات، وتزايد الأزمات البيئية، واهتزاز الثقة بالمؤسسات متعددة الأطراف، الأمر الذي انعكس سلبًا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأشار إلى أن النموذج الحالي للعولمة يواجه إشكاليات متعددة، منها عدم العدالة في توزيع المنافع الاقتصادية، وتركّز الثروات في الاقتصادات المتقدمة، وتصاعد التوترات الجيوسياسية والتحول نحو السياسات الحمائية، وتفاقم أزمات الديون السيادية في الدول النامية، فضلًا عن التكاليف البيئية الكبيرة الناتجة عن سلاسل التوريد كثيفة الكربون، واتساع الفجوة الرقمية خاصةً في مجال الذكاء الاصطناعي، وضعف الحوكمة المالية الدولية وعدم ملاءمتها لمتطلبات التنمية.
وشدد محيي الدين على أن التصدي لهذه التحديات يتطلب نموذجًا جديدًا للعولمة قائمًا على العدالة والتضامن والعمل الجماعي متعدد الأطراف، مع ضرورة ربط هذا النموذج بأهداف أجندة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، قائلًا إن العالم يحتاج إلى المزيد من العولمة شريطة أن تكون عولمة عادلة وشاملة.
واقترح محيي الدين مجموعة من التوصيات لتوجيه العولمة نحو خدمة التنمية المستدامة، مستشهدًا بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر في مايو الماضي، ومن أبرزها تجديد الالتزام بحل التوترات الجيوسياسية لتفادي الانقسام في النظام الدولي، والاستفادة من الهجرة كقوة تنموية مع إدارة أبعادها السياسية، وتمكين الدول النامية من الانخراط الفعال في الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، والالتزام التام بتنفيذ الأطر العالمية مثل أجندة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، واتفاق باريس، والاتفاق العالمي حول الهجرة والرقمنة، إلى جانب إعادة هيكلة النظام المالي العالمي وضمان التمثيل العادل للدول النامية في هذا النظام.
كما دعا محيي الدين إلى إعادة تعريف مؤشرات النجاح الاقتصادي بما يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي ليشمل مؤشرات الاستدامة والعدالة الاجتماعية.
وأكد محيي الدين على الدور المحوري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي كمنصة لتنسيق السياسات العالمية وتعزيز التعاون متعدد الأطراف، داعيًا المجلس إلى دعم حوكمة مالية وتجارية وتكنولوجية منصفة، وتعزيز التعاون بين الشمال والجنوب وفيما بين دول الجنوب، وتوسيع قاعدة الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، ومتابعة التزامات الدول عبر دعم منتدى السياسات رفيع المستوى وتعزيز آليات المتابعة الدولية.
وفي ختام كلمته، شدد محيي الدين على أن أثر العولمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتوقف على كيفية إدارتها وحوكمتها بشكل فعال يراعي مصالح الدول النامية ويعالج التحديات التي تواجهها.