رغم غيابه لفترات عن الساحة الفنية، سواء في السينما أو المسرح، يظل الفنان طارق دسوقي اسمًا محفورًا في ذاكرة الفن المصري، بسيرته النقية، وتاريخه الطويل، وقيمته الكبيرة كأحد أبناء جيل الوسط الذين حملوا مشعل الفن الهادف والنقي. واليوم، يشاهده الجمهور على خشبة المسرح القومي، في العرض الجديد لمسرحية “الملك لير”، ليعود ويؤكد من جديد أنه فنان لا يُنسى.
رغم مسيرته الممتدة، يُفاجئ طارق دسوقي الجميع بدور “جلوستر” في مسرحية “الملك لير”، ويُقدّمه بحضور استثنائي يجعلك تشعر وكأنك تكتشفه لأول مرة، فالأداء جاء ممتلئًا بالعمق والصدق والوعي الكامل بالشخصية.
مشاركة الفنان طارق دسوقي إلى جوار الفنان القدير يحيى الفخراني أضفت زخمًا هائلًا على العرض المسرحي، حيث كان الانسجام والتناغم بين النجمين أحد أبرز عوامل نجاح المسرحية، وسط إشادة نقدية وجماهيرية واسعة.
في كل مشهد، يجسد طارق دسوقي الشخصية بكامل حواسه وأدواته التمثيلية، فيُمتع الجمهور، ويبهر النقّاد، ويؤكد أن موهبته تزداد وهجًا كلما وقفت على خشبة المسرح.
خلال مشواره الفني، قدّم طارق دسوقي أكثر من 40 مسرحية، منها 18 مسرحية على مسارح الدولة، وكان آخرها “الملك لير”. التي تعرض حاليا وهو فنان عاشق للمسرح بحق، يراه بيت الفن الأول وجوهره الحقيقي.
بعيدًا عن الفن، فإن طارق دسوقي أكاديمي ومثقف من الطراز الرفيع فهو محاضر في أكاديمية إعداد الأئمة والدعاة، والمستشار الثقافي لمؤسسة التعليم أولًا، ومحاضر في معهد إعداد القادة، والمستشار الثقافي والفني لمنصة “الجسر الإخبارية”، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الآداب – جامعة القاهرة – قسم علم نفس، وله إسهامات فكرية وثقافية متعددة.
ينتمي دسوقي لجيل من الفنانين الذين احترموا الفن والجمهور، ولم يشارك يومًا في عمل مبتذل أو سطحي. فهو يؤمن بأن الفن رسالة سامية لا تُباع ولا تُشترى. فهو فنان مصري بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بروح النيل، وشموخ الأهرامات، وأصالة الحرف المصري، لذلك لا يندهش من يعرفه حين يشاهده في هذا التألق الكبير على المسرح. فعلى مدار مسيرته، حافظ طارق دسوقي على خط فني راقٍ، لم ينجرّ إلى الابتذال أو الإثارة، بل انحاز دائمًا للأعمال التي تحترم عقل ووجدان الجمهور.
لطالما اعتاد الجمهور على الفنان القدير يحيى الفخراني في دور “الملك لير”، وهو الدور الذي يقدّمه للمرة الثالثة في تاريخه، وفي كل مرة يُبهر الجمهور بأدائه.لكن هذه النسخة تميزت بأنها جمعت بين الفخراني وطارق، ولا يمكن تجاهل المخرج المسرحي المتميز شادي سرور، الذي أضفى على العمل رؤيته الخاصة، وساهم في استخراج كل الطاقات الكامنة داخل طارق دسوقي ليقدّم أجمل ما عنده.
طارق دسوقي لا يعود فقط إلى المسرح، بل يعود إلى الجمهور، وإلى وهج المسرح القومي، ليقول: “أنا هنا، كما كنت، وكما سأظل.. فنانًا مصريًا يحمل رسالته بحب وصدق”.