مدير التحرير

وفاء رمضان
Search
Close this search box.

مدير التحرير

وفاء رمضان

مصطفى البلك يكتب لـ”المؤشر الاقتصادي”: “لا تفهمونا غلط”.. قافلة الصمود: صرخة تضامن أم مؤامرة لزعزعة استقرار مصر؟

تثير قافلة الصمود المغاربية، التي انطلقت من تونس بمشاركة نشطاء من الجزائر مرورًا بليبيا في طريقها إلى معبر رفح، جدلًا واسعًا حول أهدافها الحقيقية وما إذا كانت مبادرة شعبية صادقة أم جزءًا من مخطط مدروس لإحراج مصر سياسيًا وتهديد أمنها القومي. هذه القافلة، التي تنظمها تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين وتضم أكثر من 100 سيارة و18 حافلة بمشاركة نشطاء من 32 دولة ضمن تحرك دولي يعرف باسم Global March to Gaza، بدأت رحلتها من تونس العاصمة مرورًا بمدن سوسة، صفاقس، حسي عمر، وبنقردان، ثم اتجهت إلى ليبيا عبر معبر سلوم، متجهة نحو القاهرة وصولًا إلى معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة. الهدف المعلن هو كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة وإيصال رسالة تضامن مع الشعب الفلسطيني، لكن عدم تنسيق المنظمين مع السلطات المصرية للحصول على تصاريح مسبقة والإصرار على مواصلة الرحلة رغم الرفض المصري يثيران شكوكًا حول النوايا الحقيقية وراء هذا التحرك، خاصة في ظل السياق الأمني والسياسي الحساس في المنطقة.

من وجهة نظر تحليلية، يرى البعض أن اختيار الحدود المصرية كوجهة رئيسية للقافلة ليس صدفة، بل جزء من استراتيجية لخلق ضغط إعلامي وسياسي على مصر. فلماذا لم تتجه القافلة إلى وسيلة بحرية، كما فعلت سفينة مادلين التي حاولت كسر الحصار عبر البحر، لكنها صودرت من قبل السلطات الإسرائيلية في المياه الدولية واعتقل نشطاؤها؟ يبرز هذا الحادث المخاطر المرتبطة بالوصول إلى غزة بحرًا، لكن اختيار الطريق البري عبر مصر، التي تخضع حدودها لضوابط أمنية مشددة، يوحي بأن الهدف قد يكون إثارة ضجة إعلامية أكثر من كونه كسر الحصار فعليًا. أحداث عام 2014 تدعم هذا الطرح، حيث اعتصم نشطاء فرنسيون في مطار القاهرة بهدف تصوير مصر كمعيقة للوصول إلى غزة، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي لنشر صورة سلبية عن موقفها تجاه القضية الفلسطينية. قافلة الصمود تبدو تكرارًا لهذا السيناريو مع تركيز واضح على التوثيق الإعلامي عبر منصات السوشيال ميديا لتحريض الرأي العام ضد مصر. وهنا سؤال يفرض نفسه .. لماذا هذا التوقيت ؟ والاجابة 30 يونيو علي الابواب ، مما يؤكد ان الهدف ليس غزة ولا فك الحصار عنها وانما زعزعة الامن المصري .
يعزز هذه الشكوك تجاهل المنظمين للإجراءات المصرية رغم علمهم المسبق بضرورة الحصول على تأشيرات دخول وموافقات أمنية، كما أكدت وزارة الخارجية المصرية، التي أوضحت أن هناك ضوابط تنظيمية متبعة منذ بدء الحرب على غزة تتطلب تقديم طلبات رسمية عبر السفارات المصرية أو الأجنبية في القاهرة أو من خلال ممثلي المنظمات إلى الوزارة. هذه الضوابط تهدف إلى ضمان أمن الوفود في ظل حساسية المنطقة الحدودية مع غزة، لكن إصرار النشطاء على مواصلة الرحلة رغم الرفض المصري يشير إلى نوايا قد تتجاوز الهدف الإنساني المعلن إلى محاولة لإحراج مصر سياسيًا وتصويرها كشريك في الحصار الإسرائيلي.

مصر، من جانبها، أكدت موقفها الثابت الداعم للقضية الفلسطينية، مشددة على أنها لا تبحث عن مخرج لإغلاق الأبواب أمام قافلة الصمود أو غيرها من المبادرات الإنسانية، بل تدعو إلى رفع الحصار عن غزة والسماح بدخول المساعدات ووقف سياسات الإبادة الجماعية والتجويع التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي. لكنها تشترط احترام سيادتها الوطنية والالتزام بالإجراءات الأمنية لضمان سلامة الجميع، وقد أوضحت أن أي تحرك غير منسق سيواجه بالرفض أو الترحيل وفق القوانين. لقد لعبت مصر دورًا تاريخيًا في دعم القضية الفلسطينية منذ عام 1948، حيث خاضت حروبًا ضد الاحتلال الإسرائيلي في 1948، 1956، 1967، و1973، كما قادت مفاوضات لوقف إطلاق النار ومنعت محاولات التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، مؤكدة أن سيناء خط أحمر.

تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحركت مصر فور اندلاع الأزمة الأخيرة لنزع فتيل التوتر وتوصيل حقيقة الأمر للعالم، وقادت مفاوضات الهدنة ودعت لقمة عربية طارئة في مارس الماضي للمطالبة بوقف حرب الإبادة، ووضعت خطة لإعمار غزة، كما أكدت في القمة العربية الأخيرة بالعراق على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس المباركة، وهي مواقف تعكس التزامًا راسخًا بدعم فلسطين مع الحفاظ على الأمن القومي المصري. الشعب المصري الذي رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني رغم وجود معاهدة سلام بين مصر واسرائيل ، بدوره، أظهر تضامنًا واسعًا من خلال إرسال قوافل مساعدات غذائية وطبية من قرى ونجوع مصر، بالإضافة إلى جهود مؤسسات الدولة، مثل الهلال الأحمر المصري، في تسهيل دخول المساعدات عبر معبر رفح وتقديم العلاج للمصابين الفلسطينيين. لكن هذه الجهود تتعرض للتشويه من خلال تحركات مثل قافلة الصمود، التي قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع لزعزعة استقرار مصر وتقويض دورها الإقليمي، كما يرى البعض أنها امتداد لمخططات الربيع العربي التي استهدفت الكيان العربي، وخاصة مصر، قلب الأمة العربية.

غياب التنسيق الحكومي التونسي الواضح في دعم القافلة يعزز هذه الشكوك، فعلى الرغم من الدعم الشعبي الكبير في تونس، حيث تجاوز عدد الراغبين في المشاركة عشرة آلاف شخص وفق تصريحات منظمي القافلة، إلا أن الحكومة التونسية بدت غائبة عن المشهد، مما يوحي بمحاولة لتصوير الشعوب كقائدة للتحرك بينما الحكومات متواطئة، وهو سرد يخدم أجندة تقويض شرعية الأنظمة العربية المؤيدة لفلسطين. تكلفة القافلة، التي بلغت حوالي 200 ألف دينار تونسي، تم جمعها من تبرعات منظمات وأفراد تحت إشراف السلطات التونسية، بحسب وفاء كشيدة، عضو التنسيقية، التي أكدت أن المشاركين خضعوا لفحص دقيق للتأكد من عدم وجود انتماءات سياسية تخالف سياسات الدول التي تمر بها القافلة، لكن هذا لا يبدد الشكوك حول مصادر التمويل وطبيعة التنظيم، خاصة مع تجاهل الإجراءات المصرية المعلنة مسبقًا.

لا ننكر انه في المقابل، أكدت التنسيقية أنها أرسلت خطابًا إلى السفارة المصرية في تونس للتنسيق وأعربت عن استعدادها للحصول على التأشيرات اللازمة، لكن استمرارها في التقدم نحو الحدود رغم علمها بالرفض المصري يعزز النظرية التي ترى أن الهدف إعلامي أكثر منه عملي. يتزامن هذا التحرك مع أحداث سفينة مادلين، التي أبحرت نحو غزة وحملت رسالة تضامن عالمية، لكنها واجهت مصادرة إسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التحركات جزءًا من استراتيجية لخلق ضغط دولي على مصر. لكن بينما تطالب مصر بفتح المعابر الإسرائيلية لتسهيل دخول المساعدات، فإنها ترفض أي تحركات غير منسقة تهدد أمنها القومي أو تستغل القضية الفلسطينية لأغراض سياسية.

لا تفتأ هذه الشكوك في تعاظمها، خاصةً مع تشابه مسار القافلة مع أنماط سابقة كاعتصام 2014، واندراجها ضمن سياق الربيع العربي الذي استهدف تقويض أركان الدول العربية المحورية، وعلى رأسها مصر. من هذا المنظور، تظهر “قافلة الصمود” كحلقة متجددة في سلسلة ممنهجة ترمي إلى زعزعة كيان مصر واستقرارها، والحد من دورها الإقليمي الحيوي، مستغلةً القضية الفلسطينية ستارًا لتمرير أجندات سياسية. إنه السم الزعاف المُغلف بعسل التعاطف!
وفي المقابل، يرى منظمو القافلة ومؤيدوها – وقد اقتنعوا بصدقها – أنها تعبيرٌ نقي عن التضامن الإنساني مع شعب فلسطين، الذي يئن تحت وطأة حرب إبادة وحصارٍ خانق، مستندين إلى توصيف الأمم المتحدة الصادم لغزة بأنها “أكثر بقاع الأرض جوعًا”. هؤلاء المؤيدون يعتبرون القافلة – التي تضم شخصيات مدنية وشعبية بارزة، برلمانيين، دبلوماسيين، أكاديميين، ورجال أعمال من تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا ودول أخرى – صرخةً في وجه عالمٍ أضاع إنسانيته، ومحاولةً يائسة لجذب الأنظار إلى معاناة مليوني فلسطيني محاصرين في غزة. غير أن هذا التحرك، مهما بلغت نواياه، لا يجوز أن يتخطى حُرمة الحدود المصرية، ولا أن يتجاهل الدور المصري الثابت والمصالح الأمنية العليا للدولة، التي يجب احترامها والتقيد بها دون نقاش
لكن حتى هذه الرؤية لا تنفي ضرورة التنسيق مع السلطات المصرية لضمان نجاح القافلة دون تعريض الأمن القومي المصري للخطر أو إثارة توترات غير ضرورية. مصر، بدورها، أكدت أنها لا تعارض هذه التحركات الإنسانية، بل تدعمها برؤية ووعي لخطورة الوضع الأمني في المنطقة الحدودية مع غزة، لكنها تشترط أن يتم ذلك عبر الأطر الدبلوماسية والرسمية لتأمين عبور القافلة وضمان سلامتها. لقد سبق لمصر أن سهلت زيارات وفود أجنبية حكومية وغير حكومية إلى غزة بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري والأمم المتحدة، مما يظهر التزامها بدعم القضية الفلسطينية دون المساس بسيادتها أو أمنها.
اخيرا

تظل قافلة الصمود محط جدل بين من يراها جهدًا شعبيًا صادقًا لدعم فلسطين ، ولكن اراها جزءًا من مؤامرة لإحراج مصر وزعزعة استقرارها. مصر تدرك هذه التحديات جيدًا وتواجهها بحزم لحماية حدودها وأمنها القومي، مع الحفاظ على دورها التاريخي في نصرة القضية الفلسطينية والدفاع عن الهوية العربية والإسلامية في مواجهة مخططات التهويد والتطهير العرقي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي. إن ما يحدث الآن هو اختبار لصمود مصر في وقت بالغ الخطورة، حيث تتعرض المنطقة لضغوط إقليمية ودولية متزايدة، لكن مصر، قيادة وشعبًا، تقف كحصن منيع لحماية مقدرات الأمة والتصدي لأي مؤامرات داخلية أو خارجية. قافلة الصمود ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من المحاولات لتقويض دور مصر الإقليمي، لكن التاريخ يشهد أن مصر ستبقى السد المنيع في وجه كل من يريد اختراقًا أو اعتداءً. ويبقي سؤال ” قافلة الصمود صرخة تضامن أم مؤامرة لزعزعة استقرار مصر؟ والاجابة هي مؤامرة .

مصطفي البلك
[email protected]

فيسبوك
تويتر
واتسآب
إيميل
طباعة

أقرأ ايضاً