لم يخطر ببالي لحظة أنه منذ لحظة نزولي من البيت في إحدى ضواحي جنوب القاهرة، أنه سيأتي يوما استقل فيه سيارة يقودها سائقا تحت تأثير مخدر الحشيش.
كانت سيارة ميكروباص تقف على أول الشارع الذي اقطن به، فوجدت المقعد الأمامي فارغا فجلست بجوار السائق، فنظرت فوق الكرسي المجاور وجدت ورقة مالية من فئة الـ«خمس جنيهات»، عليها «تبغ»، ووجدت أيضًا قائد السيارة ممسكا بين إبهامه والسبابة «قطعة» بنية اللون، صغيرة الحجم، تشبه في جوهرها مادة الحشيش المخدر وضعها على التبغ فوق الورقة.
وسط صمت من جميع الركاب داخل السيارة، ومع صوت إشعال ولاعته ليقرب النار على جوهر الحشيش لتسخينه حتى يسهل «فركة الحشيش مع التبغ»، ثم يضع الولاعة جانبا، ليمسك فئة الخمس جنيها ويبدأ «الفركة»، وبعدما انتهى من «الفركة» تركهم جانبا وأثقلهم بـ«1 جنيه» فضة حتى لا يطيروا في الهواء.
وبدأ السائق يصنع «كارتلة» من علبة السجائر، وكنت اسلط رؤيتي لمشاهدة هذه القصة لاطلعكم عليها، فوجدت السائق يخرج من طيات ملابسه؛ ورقة «بفرة رزلة» يعدلها ليضع أسفلها «الكارتلة» الذي صنعها، ثم أمسك الخمس جنيهات تحمل فوقها التبغ والحشيش والجنيه الفضة، ليفرغهم فوق ورقة «البفرة»، ثم يخرج من بيهم الجنيه؛ ليبدأ عملية «لف سيجارة بني» وبعدما انتهى من لف السيجارة، أخذ ينظف هندابه، واشعلها وينفخ دخانها في الهواء لتشع الرائحة جميع أركان السيارة؛ ليدخل بذلك «عالم المساطيل».
ولكن لم اتأثر بهذه الرائحة لأن جلستي بجواره كانت قد انتهت؛ ولكن قبل وصولي إلى وجهتي؛ تذكرت قول الإمام الشافعي في إحدى قصائده: «وجدت سكوتي متجرا فلزمته.. إذا لم أجد ربحا فلست بخاسر»؛ حينها تأكدت أن ليس كل السكوت حقا، فوجدت لساني حالي يقول: هذه هي أول مرة استقل فيها سيارة يقودها سائقا تحت تأثير المخدر، فنظرت خلفي فوجدت الركاب جميعا تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والأربعين عاما، فعاودت النظر تجاه السائق مرة ثانية بملامح وعيون تنطلق منهما شرارة «ثورة غضب» داخلية تجتاح كياني ووجداني، فانطلق لساني يردد كلمات تحمل تحذيرًا.
«إياك أن تشعل سيجارة تحوي جوهر الحشيش المخدر في حضرة الأطفال داخل السيارة».. هذه الكلمات كانت نص ما انطلقت من لساني للسائق المسطول، فكان رده.. حاضر.. فعاودت الحديث له مرة ثانية وبنبرة هادئة قلت له: «اعتبر كلامي هذا نصيحة مني لك وليس تحذيرًا.. الأطفال هم المستقبل».
كان التحذير جزئيًا لأن السيارة أجرة تعمل داخليًا والسائق لم يخرج بها إلى الطرق السريعة، فيبدوا عليها أنها من «سواقط القيد بالمرور»، ومع ذلك فإن أغلب الإحصائيات تشير إلى أن أحد أخطر أسباب حوادث الطريق هو القيادة تحت تأثير المخدر.