يتناول الناقد الأدبي والأديب، الدكتور حلمي محمد القاعود، في أحدث إصداراته انعكاس مصطلح “الارهاب” على الأدب شعرا ونثراً ومسرحًا، ومشاركة أدب الصورة بنصيب كبير، وظهور أعمال درامية على الشاشة الصغيرة ، والسينما، من خلال قراءة في الروايات التي تناولت مفهوم الإرهاب في العالم العربي، ولماذا يتم الربط بين الإرهاب والإسلام ، من خلال أحدث إصداراته “الوردة والمستنقع”.
ويؤكد القاعود أن ظاهرة “الارهاب” تم تناولها وفقا لرؤية كتّابها، ولوحظ أن معظمها يصوّر الإرهابي مسلما دمويا متعصبا ذا لحية كثة وجلبابا قصيرا، عدوّا للحياة، كارها لغير المسلمين جهما لا يعرف الابتسام طريقا إلى محيّاه، غبيا في فكره وتصوره، فضلا عن جلافة سلوكية مقيتة ومقززة، دون أن نرى مسلما متسامحا ضحوكا محبا للحياة والأحياء، ذكيّا يعمل لدنياه كما يعمل لأخراه، يسعى لجنة الدنيا كما يسعى لجنّة الآخرة.
ويشير المؤلف إلى أن خطاب الرواية لم يختلف عن خطاب الصورة. فصنع السرد العربي الإرهابي المسلم -تحديدا- يدفعه دينه إلى القتل، والذبح، والانتقام من الأبرياء ليدخل الجنة ويستمتع بالحور العين وأنهار الخمر اللذيذة والعسل المصفى واللبن الذي لم يتغير طعمه! ولم يصنع في المقابل مسلما طيّبا أبدا!
ومع مرور الأيام تتكشف طبيعة التنظيمات الإرهابية التي ترفع راية الإسلام، وتنشر المنصات الإعلامية الشهيرة في العالم أنها صناعة مخابراتية دولية ومحلية لأهداف متباينة، وفقاً للقاعود.
من أجل ذلك حاول الكاتب أن يقرأ خطاب الإرهاب في الرواية العربية، وكيفية تناول هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولماذا يصر أكثرية كتاب الرواية ونقادهم على اتهام الإسلام والتاريخ الإسلامي وحدهما بإفراز ها وتغذيتها.
هناك تمهيد طويل بعض الشيء عن المشهد الأدبي الراهن، وبيان فساده الذي أدى لانحراف المعالجة لظاهرة الإرهاب وسطحيتها ودخولها دائرة الدعاية الفجة في كثير من النماذج.
ينقسم البحث إلى ثلاثة أسفار وفقا للجغرافيا ونشوء الظاهرة، الأول خصص لمصر، واستعرض بإيجاز نماذج عديدة، وأتبعه مبحثا مطولا للتطبيق على إحدى الروايات، وهو منهج سار عليه البحث في السفرين التاليين، فقد تناول الرواية في الجزيرة العربية- السعودية نموذجا، والشمال الإفريقي-الجزائر نموذجا،
ثم كانت الخاتمة التي اشتملت على أبرز القضايا، وتصورات إنهاض الأدب العربي بعامة والروائي بخاصة، وألحقت بالكتاب بعض الرؤى المرتبطة بظاهرة الإرهاب.
ويوضح القاعود أن الإرهاب جريمة ترفضها العقيدة الإسلامية، والفطرة الإنسانية، والطبيعة البشرية السوية. الإرهاب بالمفهوم الإسلامي يعني أن تمنع المعتدي المجرم من سفك دماء الأبرياء، وتخيف الجيوش الظاهرة والقوى الخفية من إزهاق الأرواح البريئة، وقتل النفوس الآمنة، قال تعالي: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (الأنفال: 60).
ويضيف في كتابه أن الذين يعتدون على الآمنين والأبرياء مجرمون بكل المعايير، ومن يدافع عنهم مجرم مثلهم، ولا أظن أحدا يوافق على أخذ إنسان بريء بجريرة آخرين لهم علاقة به، “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” (المائدة: 32).
ويوضح المؤلف مسمى “الإرهاب” بالمفهوم الآخر غير الإسلامي متعدّد الصفات متنوّع المحتوى: مقاومة العدو الغاصب إرهاب، التمسك بالإسلام إرهاب، الدفاع عن الإسلام إرهاب، الدعوة إلى الإسلام إرهاب، معارضة الاحتلال الأجنبي إرهاب، معارضة الاستبداد والفساد والقمع إرهاب، أنت مسلم بالمعني المفترض في الكتاب والسنة إذَا أنت إرهابي حتى يثبت العكس.
ويشير حلمي القاعود إلى أن توصيف الإرهاب بات حكراً على الجهات مالكة القوة وصاحبة المصلحة في إذلال المسلمين واستئصالهم، يطلقونه في الأحداث والمناسبات المختلفة، حين تتهدد مصالحهم الاستعمارية والقمعية.