يؤرق المصريون كل ما يتعلق بتعليم أبنائهم، صغار كانوا تهادوا إلى المدرسة، أم شباب أينعوا في الجامعة. يُنغص عليهم حالات من التناقض عجيبة: مدارس مهجورة وجامعات متكدسة، كتب مدرسية ثقيلة ومذكرات جامعية خفيفة، مدرسين يقيمون بمنازل التلاميذ آكلين شاربين، وأساتذة متغيبين عن القاعات لاهين غافلين، شغف وقلق على مجموع ثانوي يؤهل لكليات القمة، وإذعان واستكانة نحو شهادة جامعية قد تؤهل لمصير من الغُمة. لقد تراكمت مشكلات التعليم حتى أصبحت جبلاً شاهقاً لا نرى قبته، بحراً شاسعاً لا نرى قاعه. صرنا حذرين من بدء رحلة التسلق إلى القمم فنستكين في السفح، متوجسين من الغوص في الأعماق فنطفو على السطح؛ قانعين بندب الحظوظ، ومعاكسة الظروف.
وعندما تأتي الحلول يراها بعضهم خلاصاً وبعضهم الآخر هلاكاً، فإن أعدها المتخصصون بتأن وحكمة رفضتها الجموع بجزع ونقمة، وإن دافع واستمات عليها وزير فنَّدها ووقف على أطلالها جمع غفير، وإن تحدد موعد لتطبيق الجديد ألح العديد منهم باستمرار القديم.
تُرى، لماذا يستعصي الدواء لهذا الداء؟ لماذا الخلاف الذي لا يُرجى من ورائه اتفاق؟ لماذا الدوران في حلقات مفرّغة، والسير في دروب مفزّعة؟ لماذا التأهب لردع كل تغيير منتظر، لوأد كل جديد مُفترج؟ لماذا كل هذا الكر والفر؟
ألا نستطيع كمتخصصين، كمفكرين، الاتفاق على التشخيص والعلاج؟ ألا نستطيع كآباء وأمهات، مدرسين ومدرسات إعلاء صوت التجديد والإصلاح؟ لماذا التناحر بين الوزارة والإدارة، بين المدارس والمنازل، بين المعلمين والمتعلمين، بين الدروس والدارسين؟ لماذا لا نتفق أنه حان وقت التجديد فنقف صفاً واحداً لا يحيد؟
الحلول المبتكرة عديدة ولكن الإرادة الصادقة ضعيفة. المتخصصون النابهون كُثر ولكن أعداءهم المتربصين أكثر. النوايا الحسنة حاضرة ولكن المكائد المعرقلة شاخصة. ليتنا نعي جميعا أننا مؤتمنون الآن على حاضر أبنائنا، فالمستقبل لهم والماضي لنا؛ والأمانة تؤدى بالمثل.