كانت قرية سلامون القماش، إحدى القرى الكبرى بمحافظة الدقهلية، واحدة من القرى التي قضت على البطالة في العهود الماضية، حيث اشتهر أهلها بالتميز في صناعة التريكو وكان يفد إليها الشباب من الجنسين من القرى المجاورة للعمل عندهم حتى ذاع صيتها ووصلت لحد الاكتفاء الذاتي للمنطقة وقامت بالتصدير إلى دول أوربا.. كانت الدنيا مزهزهة حبتين إلى أن عرف بالصدفة رئيس الجمهورية الأسبق وهو في زيارة إلى فرنسا وعلم وهو هناك بأن أجود المعروضات من الأقمشة هي من صناعة سلامون، فسأل عن مكانها ثم قرر زيارتها، وفرح الأهالي بنبأ زيارة المرحوم حسني مبارك لهم واستعدوا لاستقباله والترحيب بسيادته.. وكانت المفاجأة بعد انتهاء زيارته، حيث أمر بفرض ضرائب على ماكينات هذه القرية وأصحاب المصانع بها بدلا من تشجيعهم وتسهيل مهمة استيراد أحدث الماكينات من ألمانيا وغيرها.. سرعان ما شعر الناس بالخيبة بعد أن زادت الأعباء عليهم وقلت تجارتهم بعد الرواج السابق خاصة وأن الذين ينفذون رؤية الرئيس لا يكون لديهم في غالب الظن رحمة ولا شفقة بمن يقصدونهم… ما علينا… هناك قرى أخرى منتشرة في ربوع مصر تحظى بهذه الأهمية حيث اشتهر بعضهم بصناعة الزجاج وزخرفته أو بصناعة الأواني الفخارية أو التخصص في تصدير نباتات الزينة لخارج البلاد، وقد أسهم بعض من اشتغل بالخارج عند عودته في نقل صناعة جديدة لقريته وساعد على تشغيل قطاع كبير من أهلها وأهل القرى القريبة. هذا رصد سريع لتميز بعض القرى في مصرنا الحبيبة، أما ما يجب أن نسلط الضوء عليه فهو ما يحدث في محافظة بأكملها وهي محافظة دمياط.
تكاد هذه المحافظة أن تكون الوحيدة الخالية من العاطلين.. ولأنهم – على عكس ما يظن البعض – يقدرون قيمة الوقت ويحترمون العمل، فنجدهم قد بنوا جسور الثقة وحازوا شهادات التفوق في صناعة الأثاث وعمل الحلوى والاشتغال بالصيد وغيرها. وقد منحهم الله تميز الموقع فتم إقامة أكبر ميناء على أرضها وتم بناء مدينة دمياط الجديدة في شمالها وهي مدينة لا تقل عن مدن أوربا الأكثر تقدما من حيث النظافة والنظام واتساع شوارعها وتنظيم مرورها وطيبة أهلها ووجود جامعة بها بعد أن كانت فرعا لجامعة المنصورة ثم استقلت، وكذلك يوجد على أرضها فرع من جامعة الأزهر وأكبر مستشفى تابع لتلك الجامعة.. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ماهو أكبر وأفضل يكمن في مصيفها العالمي رأس البر الذي تعجز الكلمات عن وصفه.
المواطن الدمياطي نشأ على حب العمل منذ الصغر، ولو وجدته يجلس على مقهى فهو ربما في انتظار صديق ليعقد معه صفقة أو ليحدثه عن تجارة بينهما وليس جلوسه من أجل لعب الدومينو أو شرب المكيفات كباقي مقاهينا في بلادنا الفقيرة. لذا لا تجد من بينهم من يشغل باله بغيره ولا عنده الوقت الذي يخاصم فيه ويذهب لأقسام الشرطة ومن ثم النيابة والقضاء.
إن رجال الشرطة والقضاء الذين عملوا بهذه المحافظة ينقلون لنا عنها تمتع أهلها بالهدوء والسكينة لأنهم يعملون وينتجون.
في معظم مدننا وقرانا الأخرى يحرك الفضو معظم الشباب وأحيانا الكبار نحو النقد وهم لا يسعون للعمل، ويجعلهم الفراغ مع عدم المكسب وزيادة الإنفاق في حالة من الإحباط ولا يعجبهم العجب، وتكثر بينهم الخلافات لأقل الأسباب ويتحول كل ذلك على مجتمعهم المحيط وربما يصل إلى داخل بيوتهم ويحدث ما نسمع عنه كل يوم من جرائم ما أنزل الله بها من سلطان.
ليت الدولة تشجع باقي المحافظات على تقليد النموذج الدمياطي