عشان متتعبش نفسك ولا تحتار، وحينما يتعلق الأمر بفرقاء في أي مجال، لا تأخذ عنهم كل ما يقولونه أو يكتبونه، بل ينبغي إعمال العقل قدر الإمكان لأن كلهم كاذبون… أو على الأقل علينا أن نستشف زيف إدعاءاتهم من بين بريق سياقاتهم.. عن نفسي بتابع تقريبا أكثر من عشر قنوات فضائية محترمة للوقوف على الوضع المتأزم في السودان بين الجيش وقوات الردع السريع، وبالطبع يقوم الإعلامي المسئول باستضافة خبير سياسي من هنا وآخر من هناك، وتكون المحصلة في النهاية هي انتصار الجيش من وجهة نظر المحلل الاستراتيجي التابع له، والعكس تماما تسمعه من المحلل الاستراتيجي التابع لقوات الدعم.. نفس الشيء تراه وتشعر به بين الفرقاء في ليبيا، وفرقاء اليمن، والحال نفسه بين الصهاينة والفلسطينيين وبين الفريقين في تونس ، ومثلها في سوريا والعراق وتركيا وحتى في مجال كرة القدم في مصر وعودة سوريا لحضن الجامعة العربية، وروسيا وأوكرانيا، وهلم جرا.
يعجبني في القنوات المحترمة أنها تستضيف ممثلين عن الطرفين دون تدخل في رأي هذا ولا ذاك وتترك الاستنتاج للمشاهد.. إعلاميو هذه القنوات يعملون وفق ميثاق الشرف الإعلامي حيث يطرحون على الضيف أو على المتصل عشرات الأسئلة بل مئات دون أن يقاطعوه أو يكذبوه. َغير أن إجابة هذا أو ذاك لو ركزنا فيها كمشاهدين قد نلحظ تناقضا أو نفهم كذبا مغلفا أو ندرك معه ارتباك المشهد. لا أحد يخرج عن النص ولا نسمع ألفاظا خارجة، وإن بدت بادرة الخروج عند أحدهما سرعان ما يتدخل الإعلامي رجلا كان أو امرأة ليضبط إيقاع الحلقة، ناهيك عن الصوت الإذاعي الرصين واللغة العربية المنضبطة والتحكم في تون الصوت (متعة ما بعدها متعة، ويزداد هذا الاستمتاع حين تجد نفسك في عملية عصف ذهني لتتوصل ولو بقدر يسير إلى معرفة الحقيقة الخفية لا سيما أن هناك بعض المحللين الذين يمتلكون مهارة تزييف الصحيح وتزيين الباطل وهم يعتمدون على قلة خبرة المشاهد أو عدم تركيزه طوال الوقت).
الفرق شاسع بين الخبر والرأي، ومع ذلك فمعظم الأخبار قد تصلنا من ناقل غير أمين، أو راوي يريد بث الفتنة أو محب للتريندات أو ناقل أمين (وهم قلة).. أما الرأي فهو يخص كل واحد فينا، كما أنه مرتبط إلى حد كبير بالإحساس والانتماء والعاطفة التي تغلب على العقل، ومن هنا تأتي الآراء في معظمها متناقضة ومثار خلاف وربما تزيد من فرص الوقيعة..وبما أننا لا نحسن الصبر على الفهم ولا نقبل الخلاف في الرأي بسهولة فسرعان ما نجد عند الردود تلاسنا واندفاعا حتى في أمور لسنا متخصصين في فهمها ولا معنيين بنتائجها ولا محامين عن أطرافها، بل نتمسك بما قاله نصير من ننتمي إلى كيانه طالما أن رأيه يرضى غرورنا.
باختصار، الاختلاف في الفهم يجب ألا يفسد للصداقة قضية إلا إذا كنا من محبي العكننة (وأظننا كذلك) ومن عشاق الثرثرة وحب الظهور دون هدف نرسمه وقت النقاش أو تقدير لحجم الموضوع، فلا نقدر – أمام كل هذه الخصال – أن نصل من قطعنا، ولا نصفو لمن انتصر رأيه على رأينا، ولا نعفو عمن ظنناه ظلمنا، وبالتالي، ودون أن ندري، نرانا في محيط غير مستقر وبيئة غير صالحة للتعاون ويظن كل واحد منا أنه أوتي الحكمة والرأي السديد، فتزداد هشاشة ما نخفيه بداخلنا.
وأهي دردشة، وربما لا تعجب البعض، وخاصة لو كانوا يتأهبون للنوم ويمرون على ظاهر الكلام مر المستعجل.
ما أجمل الطناش وقت الجد الغير مفيد، فليس كل جد عند غيري جد بالنسبة لي إلا إذا كنت حشري، كما أنني لست مخولا بالدفاع عن شخص لم يوكلني بهذه المهمة. لذا صدق من قالوا :
إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب (طبعا حسب الموقف)، والله أعلم.