دائمًا ما تكون مرحلة التعافي بالغة الأهمية بالنسبة للأعمال. كما أن أكبر التحولات في الحصة السوقية قد حدثت بعد فترة الانكماش الاقتصادي، مع ظهور قادة الأعمال الجدد – وقطاعات الأعمال الجديدة، ولكن نادراً ما يعني التعافي تعريض حياة الناس للخطر.
ومع ذلك، فها قد وصلنا اليوم إلى هذه المرحلة.
يشهد عالم ما بعد “كوفيد-19” تسريع بعض التوجهات الحالية وظهور توجهات جديدة، كما يجب أن تتطور جميع نماذج الأعمال من أجل تحقيق النمو والازدهار. ولكن لا توجد طريقة للتنبؤ بالسنة القادمة بدقة، ومن الخطأ الاعتماد بشكل كبير على التوقعات، والتي يجب اكمالها بنماذج أعمال عالية المرونة وقادرة على التكيف.
بالنسبة لفرق القيادة، يعني التعافي الانطلاق من جديد، وفي بعض الحالات، فهو يمثل إعادة تنفيذ العمليات بشكل جديد في عالم غير مستقر ومتحول. ستبرز الشركات الرائدة من خلال قدرتها على الموازنة بين المرونة والقدرة على التكيف والتنبؤ.
تعد العودة إلى العمل بعيدًا عن المنزل الخطوة الأولى في الطريق إلى التعافي بمجرد اتخاذ الشركات لإجراءات حاسمة لحماية أعمالها. كما أن العودة إلى العمل تمهد الطريق لإعادة تجهيز العمل لمستقبل مختلف. لكن هذا التعافي لن يسير على خط مستقيم، لذلك يجب على المسؤولين التنفيذيين أن يعتادوا على التفكير بشكل ديناميكي. ويجب أن تكون خطة العمل للتعافي: تقدم، تراجع، تكيف، تكرار.
وبالنسبة للشركات التي يمكنها حماية موظفيها والحفاظ على أهم الخبرات بمرونة عالية، فستتمتع بميزة تنافسية وتسارع بالخروج من الانكماش.
قراءة الإشارات
رغم أن “كوفيد-19” يحظى باهتمام العالم بأسره، فما يزال هناك الكثير من الأمور غير المعروفة عن فيروسات كورونا التاجية الجديدة وعلم الأمراض الخاص بها ومستقبلها. هذا يجعل من الصعب الاعتماد على الخبراء، ومن المستحيل أن تصبح خبيرًا بنفسك.
وفي الوقت نفسه، فإن الضغط الاقتصادي لاستئناف الأعمال هائل. نحن نواصل تحديث البيانات، ولكن حتى أواخر شهر مايو، كانت البطالة تصل إلى مستويات تاريخية في أسواق العمل في جميع أنحاء العالم، في حين شهدت مبيعات التجزئة وإنتاج التصنيع انخفاضًا حادًا، وغالبًا ما سجلت أرقام قياسية جديدة باتجاه الانخفاض.
ويعبر غالبية الموظفين في جميع أنحاء العالم عن حماسهم أو ارتياحهم لفكرة العودة إلى أماكن عملهم المعتادة، إلى جانب الثقة بجهود أرباب العمل للحفاظ على سلامتهم.
العودة إلى العمل: مسألة عرض وطلب
يعتبر الموظفون المتحفزون مكونًا مهمًا للتعافي، ولكن الشركات لا يمكنها فقط العودة من جديد إلى مواقع العمل ومنح الكمامات الطبية للعاملين العائدين. وبالنسبة لمعظم المديرين التنفيذيين، فإن المهمة الملقاة على عاتقهم هي مثل إعادة التشغيل أو حتى مثل البدء بالعمل من جديد.
ومن خلال فهم جانب الطلب في المعادلة في البداية، يمكن آنذاك للمدراء التنفيذيين قياس احتياجاتهم من القوى العاملة والحاجة الملحة لإعادة مجموعات مختلفة من العمال إلى وظائفهم ومواقع عملهم. يبدأ عند ذلك تقييم طلب العملاء حسب المنتج ونوع الخدمة والجغرافيا، وتقييم قدرات الموردين والموزعين لدعم هذا الطلب.
سيكون هذا الرقم مختلفًا بشكل كلي في هذا الوقت عما كان عليه قبل خوض التجربة الصعبة التي تسببت بها جائحة “كوفيد-19” من أجل العمل بكفاءة وفعالية أكبر. ولن يرتفع عدد الموظفين العائدين إلى العمل بخط تصاعدي ثابت. ويجب على الشركات إعادة الأشخاص إلى العمل على مراحل، بهدف زيادة أعدادهم بمرور الوقت، ولكن يجب الاستعداد على نحو مماثل لتقليصهم – ربما بشكل كبير – عند حدوث انتكاسات.
بعدما تسببت الأزمة بتفكيك أنظمة الأعمال، فقد أضحت مسألة تكوين فرق عمل مرنة الطريقة الأكثر فعالية والقابلة للتوسع لتعديل وتحقيق المرونة في بيئات العمل. سوف تتعلم الفرق المحلية، مسترشدة بمتطلبات السلامة غير القابلة للتفاوض، الظروف على الأرض وتستجيب لها، وستتكيف باستمرار، وتضع الحلول في مكانها وتبلغ عن النجاحات للقادة الذين يمكنهم توسيع نطاقها عبر الأعمال. ستقوم الشركات باستمرار بتغيير الأولويات والموارد بين الفرق التي تتقدم والتي أجبرت على التراجع مفاجئ. هذا هو تعريف منهجية المرونة في العمل.
القوى العاملة الضرورية
يساهم تتبع الطلب الحقيقي في منح الشركات طريقة مناسبة لتحديد عدد الأشخاص الذين يجب عليهم العودة إلى العمل وأين سيعملون. لكن فهم القوى العاملة التي يحتاجون إليها – ومن يحتاج إلى العودة إلى موقع العمل – هو مجرد بداية التحدي في الطريق إلى التعافي. أهم سؤال تواجهه كل شركة هو كيفية الحفاظ على سلامة هؤلاء الموظفين في بيئة متغيرة باستمرار وكيفية التخفيف من المخاطر التي يواجهونها إذا عادوا إلى العمل.
يفترض هذا، أنه يمكنهم الوصول إلى هناك. حتى في حال رفعت أوامر البقاء في المنزل، فقد يواجه العمال مسألة رعاية الأطفال أو خيارات التنقل المستحيلة إذا ظلت المدارس مغلقة أو كانت وسائل النقل محدودة أو غير متوفرة في مجتمعاتهم.
وبالمثل، فإن الشركات لديها قدرة قليلة على الحد من مخاطر الفيروسات في المجتمع حيث يعيش عمالها. ومن غير المحتمل أن تتقدم المدن باستمرار نحو التعافي. وقد يساهم التفشي على المستوى المحلي والذي يعيد مدينة أو بلدًا إلى مرحلة سابقة، في إجبار موجة كاملة من القوى العاملة على التراجع على الرغم من اتباع أفضل وسائل الحماية في مكان العمل. وبالتالي فإن الشركات التي تستجيب بمرونة وسرعة – تقدم موجة واحدة في مدينة أو جزء مختلف من العالم حتى أثناء سحب موجة أخرى ضمن المجتمع المتضرر، سوف تتسارع بشكل أكبر من خلال فترة التعافي.
كيف يبدو كل هذا على أرض الواقع؟ بالنسبة للشركات، فإن إعادة الموظفين شخصيًا للعمل يعني تحديد المخاطر في مكان العمل والتخفيف منها. ويجب أن يتم ذلك بطرق تزيد من الثقة بين الموظفين.
قد يكون لموظفي البيع بالتجزئة مئات الاتصالات مع العملاء طوال اليوم وسيلامسون آلاف الأشياء التي لمسها العملاء. ومن ناحية أخرى، يمكن لعامل المصنع على الخط التعامل مع العديد من المكونات والأسطح، ولكن لديه القليل من التفاعلات المادية، إن وجدت، مع زملاء العمل. يمكن للمكاتب أن تقلل بشكل كبير من التواصل الاجتماعي من خلال استمرار سياسات العمل من المنزل لجميع الأفراد باستثناء الموظفين الأساسيين، ولكن حتى هذه البيئات التي تتمتع بقدرة أكبر على التحكم بظروفها، فيجب التعامل معها باعتبارها عالية المخاطر، فالمصاعد، على سبيل المثال، تعتبر من المواقع الرئيسية التي تشهد ازدحامًا في مباني الأعمال.
الحد من المخاطر بالنسبة لكل موظف
باستثناء الفحوصات، اعتمدت الشركات تدابير السلامة التي ترى أنها الأكثر أهمية، والتي تشمل استخدام معدات الحماية الشخصية، والتباعد الجسدي، والبخاخات والمواد المطهرة.
ورغم أن كل هذه الاستجابات للحد من المخاطر تهدف إلى حماية الموظفين الأفراد، فالعديد منها محفوف بالتساؤلات القانونية والأخلاقية. سيكون تواجد الموظفين المسؤولين عن الفحص والاختبار من الأمور الضرورية، ومن المرجح أن يجد معظم العمال أن الخط الأول من الدفاع مريح. ومع ذلك، فإنه سيثير أيضًا مشكلات خصوصية معقدة. في حين يميز فيروس كورونا التاجي بين ضحاياه، فلا توجد قوانين توظيف تسمح بذلك باسم السلامة. فقد يكون الرجال الأكبر سنا الذين يعودون إلى وظائفهم أكثر عرضة للخطر من الموظفات الشابات، على سبيل المثال. وعلى نحو مماثل، فقد أوجد الفيروس فئة جديدة من الموظفين المتعافين الذين يمكن أن يكونوا أكثر حصانة، وأقل عرضة من زملائهم في العمل. يفترض عملاء الفحص أنهم سيعاملون بشكل مختلف، أو حتى أن يرفضوا الخدمة، إذا ظهرت لديهم أعراض “كوفيد-19”. ومن غير المرجح أن يتحرك المشرعون بسرعة كافية لتوضيح الأسئلة الشائكة التي ستنشأ. وستحتاج الشركات إلى التعاون بشكل وثيق في هذه القضايا مع النقابات وستحتاج إلى دعم سريع ومناسب من مستشارهم العام وكبير موظفي الموارد البشرية.
عودة الحركة إلى العمل
في نهاية المطاف، ستكون العودة إلى العمل هي لحظة الحقيقة بالنسبة لمدراء الأعمال، وسيتم اتخاذ القرار بثقة. وبالنسبة للموظفين، تبدأ الثقة من الإحساس بالأمان وتوفره. إن القدرة على تفهم الظروف هامة للغاية، إلى جانب الحد من المخاطر التي يمكن التعرض لها. وهي تشمل العملاء في أماكن العمل، وهذا هو الأمر الصحيح بالنسبة لهم.
الثقة ضرورية أيضًا للعودة إلى العمل. لا ترتكب أي خطأ: تتطلب سلامة الموظفين ومستقبل العمل تطبيق بعض القواعد بشكل صارم من الأعلى إلى الأسفل، دون استثناء، في المستقبل المنظور.
ولكن بمجرد تطبيق هذا الأمر بشكل عملي، يمكن للقادة تمكين مديري الخطوط الأمامية للتعامل مع القضايا المحلية عند ظهورها. وهذا يتطلب أن يحصل العمال على التدريب والدعم النفسي الذي يحتاجون إليه لاعتماد السلوك الآمن والحفاظ عليه وتطبيقه ذاتيًا في جميع الأوقات. ويمكن للشركات تعزيز تلك الثقة والتحلي بالمرونة من خلال الاطلاع على كافة الأفكار والمستجدات لتقديم أفضل الممارسات التي تم تطويرها على الخطوط الأمامية في مكان عمل واحد في كافة أرجاء المؤسسة بسرعة. تثبت هذه العملية للموظفين أن صوتهم مسموع وأنهم يؤدون دورًا حاسمًا في الحد من المخاطر على زملائهم العاملين.
إن العودة إلى العمل تعد أمرًا ضروريًا للتعافي، كما أنها تجعل الشركة أكثر قربًا من الاعتياد على الوضع الطبيعي الجديد. ومع وضع المستقبل في الاعتبار، فإن العودة إلى العمل لا تعني العودة إلى الطرق القديمة للقيام بالأشياء. لن تغير معظم الشركات توجهاتها الأساسية بسبب “كوفيد-19″، ولكن الأزمة سرّعت الانطلاق في هذه الرحلة، وكيفية الانطلاق فيها. قد يكون هذا هو الجانب الإيجابي الذي يمكن الاستفادة منه.