لا شكَّ أنَّ للتمكين أنواعًا عديدةً حيث يشمل التمكين الاجتماعيَّ والتعليميَّ والاقتصاديَّ والسياسيَّ والنفسيَّ وغير ذلك من أنواع التمكين الأخرى، فليس له تعريفٌ محدَّدٌ، على الرغم من ارتباطه في الآونة الأخيرة بالمرأة بشكلٍ خاصٍّ؛ ولعلَّ ذلك راجعٌ أساسًا إلى غلبة المجتمع الذكوريِّ حتى وقتٍ قريبٍ، الأمر الذي جعل المرأة بحاجةٍ ملحَّةٍ إلى إثبات الذات، والتكيُّف مع مجريات المجتمع وتطوره، بعد أنْ أضحت عضوًا فاعلًا في تحقيق النهضة والتقدُّم بالتزامن مع دعوات التحرير الحديثة، فأخذت تشارك الرجل يدًا بيدٍ، فضلًا عن دورها البالغ في بناء الأسرة، فقد أخذت على عاتقها أيضًا بناء المجتمع،.
والتمكين في حدِّ ذاته يعني حصول الفرد المهمَّش على الفرص الأساسيَّة للنهوض بنفسه ومجتمعه، والارتقاء به، على اعتبار أنَّ هذا الفرد مهما كان ليس أقلَّ قدرةٍ أو كفاءةٍ من غيره، حتى لو كان من ذوي الهمم.
ولا شكَّ أيضًا أنَّ هذا التمكين قد فتح الباب على مصراعيه أمام إرادة بعض المهمَّشين الذين لم تُتح لهم عادات وتقاليد وظروف المجتمع أنْ يكون لهم دورٌ إيجابيٌّ في العمل على ازدهاره وتقدُّمه.
ويهدف التمكين الاقتصاديُّ بوجهٍ خاصٍّ إلى مساعدة تلك الفئات المحرومة من الوصول لحالةٍ ماليَّةٍ تسمح لهم بقدرٍ من السيطرة على حياتهم، والتغلُّب على الأزمات الاقتصاديَّة التي قد تهدم حياتهم، صحيحٌ أنَّ المال لا يشتري السعادة، ولكنَّ صعوبة الأوضاع الاقتصاديَّة وقلَّة الدخل تحول دون وصول المرء إلى أهدافه، وتحقيق مآربه، بل ويُمكن أنْ تسلب الإنسان فرصًا قد لا تتكرَّر.
فكون الإنسان فقيرًا أو بلا أرضٍ أو محرومًا أو مضطهدًا؛ فإنه يُمنع من الوصول إلى الموارد التي ينعمُ بها غيره ممَّن يتمتعون بوضعٍ ماليٍّ جيِّدٍ، ويتنوَّع التمكين الاقتصاديُّ ليشمل مثلًا التمكين الاقتصاديَّ للشباب عن طريق التحكم في شروط الحياة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والثقافيَّة التي من شأنها أن تُساهم في مضاعفة قدرات كلٍّ منهم على تحقيق ذاته. فهي عمليَّةٌ اجتماعيَّةٌ متعددة الأبعاد، على كافة المستويات والأصعدة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، ومن ثمَّ فإنها عمليَّةٌ تغييريَّةٌ تستهدف حصول الشباب على القوة من خلال إكسابهم المعلومات الخاصة ببيئتهم ومجتمعهم وظروف معيشتهم، وهي أيضًا عمليَّةٌ تفاعليَّةٌ في الخبرات بين الأفراد والمؤسسات، كما أنَّها عمليَّةٌ تنمويَّةٌ تركز على وعي هؤلاء الشباب بقدراتهم، وتحثهم على تطويرها؛ ليصبحوا مؤهَّلين للحاق بركب التنمية. وتكرِّس قيادتنا السياسيَّة في مصر اهتماماتها بالتمكين الاقتصادي للشباب كأولويَّةٍ في إطار الاهتمامات ذات العلاقة بالتنمية؛ وذلك كون الشباب هم المورد البشري الرئيس للتنمية، وأنَّهم يُمثلون أحد أهم العناصر الفاعلة في التغيير الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ الإيجابيِّ، وبما يُساهم فعليًّا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتزداد أهمية التمكين الاقتصادي للشباب كونهم يُمثلون شريحةً كبيرةً من عدد السكَّان، فضلًا عن تلك التغيّرات الاقتصاديَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة لا سيَّما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011م، وما نتج عنها من زيادة عدد البطالة نتيجة إغلاق العديد من المنشآت، وتسريح العمالة، وتخفيض ساعات العمل اليوميِّ، وغير ذلك من المستجدَّات التي لزم معها تحرك واسع لاستعادة الأوضاع، وبذل جهودٍ مضنيةٍ للمحافظة على اقتصادنا من الهبوط. ولن يتحقَّق ذلك إلَّا من خلال خلق مجموعاتٍ شبابيَّةٍ فاعلةٍ تهتم بقضايا مجتمعها المحلية، وتعمل على معالجتها بالتنسيق مع القيادات، فأصبح التمكين الاقتصادي للشباب ضرورةً حتميَّةً لا يمكن الاستغناء عنها.
وتتعدد مجالات تمكين الشباب في مجالاتٍ شتَّى تشمل التعليم، والثقافة، والسياسة، والتدريب، وبناء القدرات، والتوظيف، والصحة، والاندماج الاجتماعي وغير ذلك. لذا فإنَّ الدولة المصرية تولي اهتمامًا كبيرًا بالشباب في إطار البعد الاجتماعي لسياساتها التنموية، الأمر الذي يؤكد على أهميَّة دور الشباب في المجتمع، وضرورة مشاركتهم في جميع مجالات التنمية الشاملة التي تشهدها مصر الآن بفضل قيادتها الراشدة، كما اشتمل الدستور على ضرورة رعايتهم، وحمايتهم، حيث تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء، وتعمل جاهدةً على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافيَّة والعلميَّة والنفسيَّة والبدنيَّة والإبداعيَّة، وتشجيعهم على العمل الجماعيِّ والتطوعيِّ، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة، وكذلك تخصيص ربع عدد المقاعد للمرشحين في المجالس المحليَّة والنيابيَّة ومجلس النواب من الشباب وذوي الإعاقة.
وقد تمكَّن الشباب بعد تمكينهم من المشاركات السياسيَّة، كما حرصت الدولة على توفير فرص العمل لهم للقضاء على البطالة، وتوفير الرعاية الاجتماعيَّة لهم، وعقد المؤتمرات الخاصة بهم لمعالجة مشكلاتهم، فضلًا عن تعليمهم وتدريبهم.
ولا يُمكن أن نغفل في هذا الصدد عن التمكين الاقتصاديِّ للمرأة أيضًا لما يُشكله من أهميَّةٍ كبرى، تُرسخ المساواة بين الجنسين دون تفريقٍ؛ من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في المجتمع، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، وبالشراكة مع المجلس القوميِّ للمرأة، ويهدف التمكين الاقتصاديُّ للمرأة إلى زيادة المشاركة الاقتصاديَّة للمرأة، والعمل على تمكينها من خلال التنمية الشاملة والمستدامة للقطاع الخاص، وكذلك تحسين بيئة الأعمال التجاريَّة، وترويج ثقافة ريادة الأعمال للمرأة المصريَّة في مختلف القطاعات وعلى رأسها: قطاع الأعمال التجاريَّة الزراعيَّة، وقطاع التكنولوجيا؛ للمساهمة في خلق فرص عملٍ مناسبةٍ للمرأة في هذه القطاعات، والعمل – أيضًا – على دعم وتحسين أداء المجموعات الإنتاجيَّة لضم المزيد من العمالة من النساء، وزيادة فرص توظيف المرأة، وحصول رائدات الأعمال منهن على الخدمات الماليَّة وغير الماليَّة وفقا لاحتياجاتهن.
وقد حققت مصر تقدمًا ملموسًا وملحوظًا خلال تلك السنوات القليلة فى تمكين المرأة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا؛ فاستطاعت المرأة المصريَّة أن تُحقِّق نجاحاتٍ لم تحققها من قبل، وأصبح التمكين الاقتصاديُّ والاجتماعيُّ والسياسيُّ للمرأة في مصر يُمثل أولويَّةً وطنيَّةً لدى الدولة المصرية في مختلف قطاعاتها ومؤسساتها، وعلت الأصوات وانطلقت المبادرات الوطنية التي تنادي بتمكينها، حيث تُعد مصر من أوليات الدول على مستوى العالم التي أعدَّت استراتيجيَّةً لتمكين المرأة 2030م، والتي أطلق شرارتها سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2017م من خلال المجلس القوميِّ للمرأة، والتي تهدف في مجملها إلى أنْ تكون المرأة المصريَّة بحلول عام 2030م شريكًا أساسيًّا في استراتيجيَّة التنمية المستدامة، والتركيز على التمكين الاقتصاديِّ للمرأة من خلال تنمية قدراتها لتوسيع خيارات العمل أمامها، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في توظيف النساء في كافة القطاعات بما في ذلك القطاع الخاص، وزيادة مشاركتها في الأعمال، ونشر ثقافة ريادة الأعمال بين النساء، على أنْ يتولَّى المجلس القوميُّ للمرأة متابعة تنفيذ تلك الاستراتيجيَّة مع مختلف الوزارات والجهات المعنيَّة؛ لذا عملت الدولة المصريَّة على تهيئة البيئة التشريعيَّة والمؤسسيَّة والثقافيَّة المناسبة لتمكين المرأة اقتصاديًّا،كما حرصت على دمج مفاهيم المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة بالمناهج التعليميَّة في المراحل المختلفة من أجل نشر الثقافة والفكر الرشيد لتمكينها.
ويأتى التمكين الاقتصاديُّ للمرأة من خلال قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذي يتميَّز بتحقيق قيمة مضافة عالية، وتحقيق التنمية المكانيَّة، والمساهمة في التوازن الإقليميِّ للتنمية، والذي يُعد أحد القطاعات الرئيسة التي تستوعب فرص العمل اللائق والمنتج للسيدات المصريَّات في مختلف الأقاليم والمحافظات المصريَّة.
أخيرًا وليس آخرًا فإنَّ ثمة تحدياتٍ كثيرةً وجهودًا كبيرةً تبذلها الحكومة المصريَّة تتمثَّل في مبادرات تنفيذ الرؤية الاستراتيجيَّة الجديدة، لوحدة تكافؤ الفرص، والعمل على تمكين الفئات الأقل حظًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، من أجل تحقيق التنمية، وننتظر مزيدًا من التمكين، فنحن قادرون، وكلُّنا يستطيع، فقط اكتشف مهاراتك.