مدير التحرير

وفاء رمضان
Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

مدير التحرير

وفاء رمضان

رأي.. طارق عثمان يكتب لـCNN: الملكية المصرية وناصر والعالم العربي.. الإرث والأثر (الجزء الـ12 والأخير)

رأي-طارق-عثمان-يكتب-لـcnn:-الملكية-المصرية-وناصر-والعالم-العربي.-الإرث-والأثر-(الجزء-الـ12-والأخير)

في الذكرى السبعين لسقوط الملكية المصرية وبداية المشروع الناصري، الكاتب والمعلق السياسي طارق عثمان يكتب سلسلة جديدة لـCNN بالعربية عن تأثيرهما على العالم العربي. والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN. للاطلاع على حلقات السلسلة (اضغط هنا)

هذه السلسلة بدأت ببدايات مشروع محمد علي وانتهت بنهايات مشروع جمال عبدالناصر، وفي الحالتين بدايات المشروعين كانتا من خلال السيطرة على السلطة في مصر، وقد أعقب السيطرة في الحالتين فترات براقة من النمو والتطور والتغيير الذي بدا أنه لما هو أكبر وأفضل. ثم كان أن انهزم المشروعان على ساحات المعارك، مع اختلاف أن هزيمة جيش محمد علي وابنه إبراهيم كانت على حدود تركيا في أهم محاولة لبناء إمبراطورية إقليمية في كل القرنين الماضيين، وليس في سيناء على أرض مصرية.

كانت هناك أيضًا أوجه شبه ومقارنة أخرى. انتهى مشروع محمد علي لأن من جاءوا بعده كانت لهم رؤى شديدة الاختلاف حول شكل الدولة وعلاقتها مع الشعب المصري ووضعها فيما حولها – وربما لأن إراداتهم كانت من نوع آخر غير تلك لأولي العزم من أمثال محمد علي وإبراهيم. لكن بالرغم من انتهاء المشروع، فقد بقيت دولة محمد علي من خلال حكم أسرته الذي استمر 150 سنة. الشيء نفسه حدث مع جمال عبدالناصر. انتهى المشروع لأن من جاءوا بعده ابتعدوا بشكل تام وحاسم عن أسس مشروعه. لكن مع ذلك استمرت الدولة التي أسسها إلى الآن.

يبقى أيضًا أن التاريخ موصول. دولة محمد علي كانت لا شك بعيدة جدًا عن دولة جمال عبدالناصر. لكن الأولى أثرت بشكل مهول في الثانية، وكانت من تجارب ومشاكل وهزائم الأولى ما حاولت الثانية (وفشلت في) التعلم منه. لكن الصلة جعلت من المشروعين ومن الدولتين نسيجًا واحدًا بلونين وبملمسين.

هناك أيضًا أن تجربة الأولى استمرت كما قلت 150 سنة، والثانية مستمرة إلى الآن 70 سنة. وعليه فإن النظر في التجربتين هو واقعيًا النظر في الجزء الأكبر من تاريخ مصر المعاصر.

كما أن مشروع محمد علي ومشروع جمال عبدالناصر كانا بداية من الطموحات ووصولًا إلى النتائج واصلين إلى الجزيرة العربية والهلال الخصيب والشام وشمال إفريقيا. ولذلك فإن النظر في المشروعين وما كان بينهما مهمين للمهتمين بتاريخ المنطقة كلها وليس فقط للمهتمين بتاريخ مصر.

أخيرًا، هناك الصلة بالحاضر. مشروع محمد علي انتهى واقعيًا بهزيمة إبراهيم باشا وتقلص الدولة إلى داخل مصر، ثم مرور تلك الدولة بتغيرات وضعف شديد أثناء حكم عباس الأول ثم سعيد. ثم كان أن مشروع حفيد محمد علي – إسماعيل (الرائع كما تحدثنا في هذه السلسلة) أراد إحداث نقلة نوعية في البلد – وبالفعل قد كان. لكن حتى مشروع إسماعيل – مع أن طموحاته كانت أقل كثيرًا من تلك التي كانت في مشروع جده أو محاولات أبيه (إبراهيم) – تقلّص وضاعت الكثير من معالمه مع أسباب فشله، ثم مع تغيرات حدثت في المجتمع المصري فيما بعد. ثم كان أن المشروع الناصري بعد تحليق في سماوات، تاه وسقط وظهر أن الكثير مما بدا أنه من معالم قوته كانت أجنحة من شمع رُبطت عن جهل. مع التوهان جاءت الهزيمة، ثم جاء توجه الدولة المصرية إلى اتجاهات شديدة البعد عن تلك التي أُسِس عليها المشروع الناصري. لكن مع كل ذلك – مع تغير المشروعات وصعودها ثم سقوطها – بقيت الصلة بين الماضي والحاضر موجودة. ولذلك فإن الكثير مما نظرت فيه هذه السلسلة كان في أزمنة بعيدة، لكن كانت هناك ملابسات بها تشبه مما هو في حاضرنا، ولا شك لها تداعيات على واقعنا.

لذلك فقد حاولت هذه السلسلة أن تكون تحليلًا جادًا، ينظر في الحقائق وليس نابعًا من مشاعر سطحية غير عارفة بالتفاصيل وأحيانًا معبأة بسطحية الحكايات وليس بعمق القراءات. السلسلة حاولت أيضًا النظر في التاريخ كمجال معرفة، والمعرفة لا هي سفسطائية ولا هي ترفيه. المعرفة ضرورة لمن أراد ترقي النفس وإحلال قيمة في السنوات التي له أو لها على هذه الأرض – وهذه القيمة، لمن وعى، في عمق معنى الوجود الإنساني.

النظر في التاريخ كمجال معرفة يصبح بالضرورة نظرًا جادًا لأنه قبل كل شيء يحترم نفسه ويحترم متلقيه. والجدية تفرض الوصول إلى نتائج واضحة فيها تقييم – ليس بالضرورة إلى كل مشروع وكل عصر بشكل كامل، ولكنها تقييمات لأهم عوامل كل مشروع وكل عصر. وذلك ما حاولت هذه السلسلة عمله. والتقييمات هنا ليست غرورًا يتصور أن له حق قول فصل في حقب كاملة، لكنه – أتصور – تحمل مسؤولية أن هناك من أعطوا من وقتهم وطاقتهم لقراءة السلسلة، وعليه يجب على كاتب السلسلة أن يربط الخيوط ويوضح شكل النسيج كما يراه، مع الإقرار أن هناك من سيرى في النسيج أشكالًا أخرى، ولا بد أن هناك آخرين سيرون أن ربط الخيوط يُمكن أن يكون بشكل آخر.

الغرض من كل ذلك – من السلسلة من بداياتها مع محمد علي إلى نهاياتها مع جمال عبد الناصر – لم يكن إنصافًا حيث أعتقد أن الانصاف من ظلم تاريخي لازم، وليس إدانة حيث أعتقد أن التعظيم التاريخي كان غير لازم. الغرض كان عرض التاريخ من زوايا أتصور أنها مهمة، تفتح للعقول المهتمة طرقًا للتفكير في ذلك التاريخ، والطرق المختلفة والزوايا البعيدة عن بعض ولكن الناظرة إلى الشيء نفسه لا شك مؤدية إلى صور أكمل وأوضح لذلك التاريخ.

والغاية النهائية أهم من تجارب الأشخاص أو آرائنا فيهم – أهم من محمد علي، إبراهيم، إسماعيل، فؤاد، فاروق، أو ناصر. الغاية هي المعرفة النابعة من فهم التاريخ بطرق مختلفة، ومحاولة إفهام المتأثرين به اليوم وغدًا.

فيسبوك
تويتر
واتسآب
إيميل
طباعة

أقرأ ايضاً