مدير التحرير

وفاء رمضان
Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

مدير التحرير

وفاء رمضان

الرئيس المالي هو أفضل مرشح لتولي منصب الرئيس أحمد مخلاتي مدير علاقات الشركاء الإقليميين في معهد المحاسبين الإداريّين

أحمد مخلاتي مدير علاقات الشركاء الإقليميين في معهد المحاسبين الإداريّين

 

يحفل التاريخ بالكثير من الأحداث والمحطات المفصلية التي غيّرت وجه عالمنا، ولا شك أن نشوء منصب الرئيس المالي (CFO) يندرج تحت فئة تلك الأحداث التاريخية البارزة. لم يبرز هذا المنصب إلا بعد القرن العشرين، . إذ يعود السبب إلى أن المسؤوليات المالية لم يكن لها ذلك الدور الهام في الشركات كما هو الحال اليوم، لذا فلم يكن لدى رؤساء الشركات ما يدفعهم للتوجه إلى ذلك المكتب الصغير الذي يجلس فيه “أمين الصندوق” أو “المدير المالي” (كما كان اسم ذلك المنصب في معظم القرن العشرين) للحصول على نصيحة استراتيجية تفيدهم في إدارة أعمالهم. واقتصر دور ذلك الشخص على إنشاء الميزانية ومسك الدفاتر والإشراف على إعداد التقارير الضريبية. وقد بقي هؤلاء “المحاسبون” في مكاتبهم الصغيرة إلى أن أدخلت حكومة الولايات المتحدة لوائح واعتبارات مالية جديدة، فعند ذلك فقط بدأ “المحاسبون” بالترقي الوظيفي في الشركات – وهو أمر درج لأول مرة في ستينيات القرن الماضي ثم أصبح سائداً في سبعينياته. وبفضل الهيئات التنظيمية مثل لجنة الأوراق المالية والبورصة (SEC) ومجلس معايير المحاسبة الفيدرالية (FASB)، فقد تم إحداث تغيير جذري في مجال التقارير المالية للشركات وآليات المحاسبة فيها عندما أصبحت الحاجة إلى التركيز على أداء الأعمال والأوراق المالية عن كثب ذات أولوية قصوى.

لقد فرضت التغييرات التنظيمية في سبعينيات القرن الماضي واقعاً جديداً تمثّل في أخذ الشركات للاعتبارات المالية على محمل الجد. وفي العقد التالي، ومع ظهور عمليات الاندماج والاستحواذ، بدأت الشركات تدرك أهمية الأداء المالي ومن هنا نشأت أهمية منصب الرئيس المالي من خلال تولي المتخصصين في المالية والمحاسبة مناصب حساسة في الشركات وتكليفهم بتحسين أدائها ومعالجة جوانب القصور فيها- وهو أمر لا غنى عنه ليس لاستمرارية الشركات فحسب، بل لازدهارها وتقدّمها أيضاً. وقد ساعد هؤلاء المتخصصون شركاتهم على تبني تقنيات جديدة في إدارة الشؤون المالية، وإعادة هيكلة الالتزامات، وطرق التعامل مع أوجه الالتباس القانوني الأخرى، فضلاً عن العمل على بناء علاقات وطيدة مع المساهمين وترسيخها.

في هذه الأيام، أصبح عدد متزايد من الرؤساء الماليين على اضطلاع بمهام الرؤساء التنفيذيين. ومع أن الاختلاف الرئيسي بين هذين المنصبين يتمثّل في المسؤوليات الاستراتيجية الواقعة على عاتقهما، إذ يشرف الرئيس التنفيذي على الشركة بأكملها بينما يشرف الرئيس المالي على الأداء المالي- لكن في الحقيقة، يتولى الرؤساء التنفيذيون والرؤساء الماليون -في معظم الشركات الكبيرة- مهام متداخلة بحيث لا يمكن التمييز بينها إلا من قبل من يعمل في الشركة نفسها. وقد درجت العادة حتى بدايات الألفية الجديدة على اختيار الرؤساء التنفيذيين للشركات التي تقدم خدماتها لشركات أخرى من بين الأشخاص ذوي الخلفية القوية في العمليات أو الهندسة أو التقنية، في حين يجري اختيار الرؤساء التنفيذيين للشركات التي تقدم خدماتها للمستهلكين من بين الأشخاص ذوي الخلفيات القوية في التسويق أو المبيعات. ونظراً لقدرة الرؤساء الماليين المتزايدة على فهم الجوانب الدقيقة للشركات، بالإضافة إلى قدرتهم على قراءة أرقام أداء الشركات وتفسيرها بشكل صحيح، فهناك توجّه متزايد – بل ومنطقي أيضاً – لترقية الرؤساء الماليين ليصبحوا رؤساء تنفيذيين. ووفقاً للدراسات الحديثة، فقد بلغ معدل ترقية الرئيس المالي إلى منصب رئيس تنفيذي ذروته في عامي 2007 و2008، حيث سجّل هذان العامان وحدهما 20% و17% على التوالي من إجمالي الترقيات.. وقد شهد عام 2012 ذروة أخرى أيضاً، ولكن بمعدل أقل، عندما تمّت ترقية 11% من الرؤساء الماليين من عام 2004 ليصبحوا رؤساء تنفيذيين.

لكن هذه ليست الصورة بأكملها، لأن آفاق الاقتصاد العالمي محفوفة بالكثير من الشكوك وانعدام اليقين على المدى القصير إلى المتوسط، فقد أدى تقلب أسعار الطاقة الناجم عن التحديات الجيوسياسية وغيرها من التحديات الاقتصادية إلى نشوء ثغرة كبيرة في سبل الإمدادات وسلاسل التوريد، وتقلبات كبيرة في أسعار العملات، وارتفاع في أسعار السلع الأساسية، ، وضغوط نجمت عن التضخم المالي الذي حل ببعض البلدان، فضلاً عن التحديات البيئية الحاضرة بشكل دائم. ونتج هذا كله عن التحول الحتمي طويل المدى لمحور القوة من الغرب إلى الشرق نتيجة التطور الذي تشهده البرازيل وروسيا والهند والصين (دول البريك)، والتي تواجه بدورها تحديات النمو الخاصة بها في ظل صعود الاقتصادات الناشئة الجديدة. وتؤثر اتجاهات الاقتصاد الكلي هذه بشكل كبير على أسلوب عمل الشركات، والأولويات التي تلتزم بها، والاستراتيجيات التي تطورها لتحقيق النجاح على الساحة الدولية. وهذه هي البيئة العالمية التي سيعمل فيها الرؤساء الماليون في المستقبل، وهي تمثل تحديات عليهم مواجهتها، وفرصاً يجب عليهم الاستفادة منها.

ولتكوين فهم أعمق حول العوامل التي تؤهل الرؤساء الماليين ليصبحوا رؤساء تنفيذيين، فعلينا أن ندرك أن العامل الأول المطلوب من القيادات العليا هو المهارات الاقتصادية، فالفطنة المالية للرئيس التنفيذي هي الميزة الأهم في أغلب الأوقات ولا سيما في أوقات الشدة، وهي نظرية أثبتت صحتها خلال أزمة الجائحة الماضية. وينطوي هذا العامل على امتلاك مجموعة من المهارات المتعلقة بمختلف قطاعات الشركة، مثل القيادة الاستراتيجية وإدارة الأداء وإعداد وتعديل السياسات وإدارة العلاقات مع الأطراف المعنية والاتصالات المؤسسية، بالإضافة إلى التمتع بالخبرة في التقنيات الرقمية مثل البيانات الضخمة والأدوات التحليلية.

هذا مجرد غيض من فيض، فهناك العديد من المهارات المطلوبة. إذ يزداد انخراط الرؤساء الماليين ومسؤولياتهم تجاه الالتزام بالمتطلبات التنظيمية والامتثال لها، ويأخذون على عاتقهم توظيف مهاراتهم الشخصية في التعامل مع المسائل التنظيمية، فضلاً عن التعاون مع واضعي السياسات المالية لضمان أن تعود هذه المتطلبات التنظيمية الجديدة بالنفع على شركاتهم. لقد توسع نطاق مهام الرؤساء الماليين بسبب ازدياد تأثر الشركات بتقلبات الأسواق المالية وزيادة رقابة المساهمين. ومن المرجح أن تقوم الشركات في القطاعات التي تتمتع بمتطلبات تنظيمية صارمة مثل البنوك والمؤسسات الخدمية بتعيين رئيس تنفيذي يتمتع بخبرة مالية سابقة بسبب المتطلبات التنظيمية المتزايدة، لا سيما الخبرة في معايير المحاسبة وإعداد التقارير المالية. وقد تحولت مهمة الرئيس المالي إلى شريك عملي يشرف على العمليات في الشركة، مما يجعل هذا المنصب مرتبطاً بشكل أكبر بمختلف الأقسام الأخرى في الشركة.

ولقد ساهم ازدياد المهارات المطلوبة من الرؤساء الماليين في تقليص الفجوة الكامنة في المهارات بينهم وبين الرؤساء التنفيذيين ولا سيما خلال السنوات العشر الماضية. ومع ذلك، فإن الانتقال من منصب الرئيس المالي إلى منصب الرئيس التنفيذي – أي من الاضطلاع بالمهام الداخلية إلى الاضطلاع بالمهام الخارجية- لن يكون يسيراً على الدوام، إذ يعد منصب الرئيس التنفيذي واحداً من أكثر الوظائف تطلباً في الشركة بأكملها. وسيتعين على الرؤساء الماليين الذين سيصبحون رؤساء تنفيذيين مستقبلاً المساهمة في الحد من الضوابط التنظيمية المرهقة والمضنية، وممارسة الضغط نيابة عن الشركة، وصياغة عمليات الشركة وبروتوكولاتها بطريقة تُغني عن الحاجة إلى مزيد من المتطلبات التنظيمية وتدعم تطوير السياسات المناسبة لذلك. وسيتعين عليهم أيضاً ضمان تشغيل العمليات المالية من قبل خبراء قادرين على استيعاب التحديات الناتجة عن المتطلبات التنظيمية وإيجاد حلول ناجعة لها. والأهم من كل هذا، يجب أن يتمتع الرؤساء الماليون الراغبون في أن يصبحوا رؤساء تنفيذيين بالإرادة القوية لوضع شركاتهم على مسار واضح المعالم، والتحّلي بالعقلية المنفتحة والرغبة في تعلم كل ما هو جديد. ومع أنه يمكن تعلم هذه المهارات بالخبرة، إن لم تكن موجودة أصلاً، فإنه يتعين وجود هذه المهارات في جعبة الرؤساء الماليين على الفور. وكما قالت أنديرا نويي، الرئيس المالي السابق لشركة «بيبسي كولا»، التي ترقت لتولي منصب الرئيس التنفيذي في عام 2006: “إن مهمة الرئيس التنفيذي أشبه ما تكون بمهمة مايسترو أوركسترا موسيقى الجاز، وهي تتطلب الارتجال وفهم تلميحات العازفين من حولك. ويعمل الرؤساء التنفيذيون وفقاً لإطار عمل محدّد ولكن يتعين عليهم أيضاً تحقيق التناغم مع مجموعة من الأشخاص الذين يتصرف كل منهم كما يحلو له. وعادةً ما يتقن الرؤساء الماليون تحقيق ذلك التناغم في عملهم – ولكن كل ما ينبغي عليهم فعله هو اكتساب مهارات إدارة مختلف جوانب العمل، كما هو الحال مع مايسترو أوركسترا الجاز”.

 

 

فيسبوك
تويتر
واتسآب
إيميل
طباعة

أقرأ ايضاً