مدير التحرير

وفاء رمضان
Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

مدير التحرير

وفاء رمضان

انطلاق الشركات الصغيرة نحو المستقبل

 

على الرغم من أن مسألة نجاح الشركات بالوقوف في وجه التحديات التي تعترض سير أعمالها تعد من البديهيات، إلا أن تفشي جائحة “كوفيد-19″ أخذ هذه التحديات إلى مستويات جديدة، حتى أن العديد من الجهات وصفت التداعيات التي حملتها الجائحة بـ”الأسوأ” على الإطلاق، ليس على الشركات ومشهد الأعمال فحسب، وإنما على اقتصادات العالم بأسره. وفي خضم مساعٍ عالمية دؤوبة لاستعادة التوازن والخروج من عنق الزجاجة لتحقيق التعافي المنشود، ثبتت صحة القول المأثور “الحاجة أم الاختراع”. فبصرف النظر عن الشغف البشري الفطري بالاستكشاف والإبداع، كانت الجائحة بمثابة حافز كبير للتجديد والابتكار، إذ عكف كل من الأفراد والشركات على تكثيف جهودهم واعتمدوا بدايةً على إبداعهم للتعامل مع الشكوك التي خيمت على الأجواء والتأقلم مع حالة الغموض التي اعترت العالم بسبب هذه الأزمة المفاجئة. وتعاملت الشركات الصغيرة مع الظروف الاقتصادية الجديدة التي فرضتها الجائحة، في حين اتخذت الشركات الأقل عرضة للخطر خطوات محددة ضمنت استمراريتها ومهدت طريقها نحو الازدهار.

من كان يعتقد أن جائحة بهذا الحجم ستكون بمثابة نقطة بداية جديدة للعالم بأسره؟

دفعت هذه الأزمة الصحية وعلى مستويات عدة إلى تغيير طريقة إعداد المؤسسات لخطط استشراف المستقبل والاستعداد له. وهنالك دروس هامة يتعين تعلمها في هذا الصدد، لاسيما بالنسبة للشركات الصغيرة والناشئة ورواد الأعمال. فبالرغم من عدم وجود تركيبة واحدة للتجديد، ثمة ثلاثة محاور واضحة لتمكين تحول الشركات في أوقات الأزمات وتُفضي جميعها لتحقيق “المرونة”.

برزت القيادة الحكيمة؛ والتركيز على الأعمال؛ ووجود ثقافة تضع الكوادر البشرية في المقام الأول كسمات فضلى لتحقيق المرونة المؤسسية، وأركان هامة تميز الشركات الصغيرة التي نجحت بتحقيق الازدهار على الرغم من قساوة آثار الجائحة عن نظيرتها التي عجزت عن ذلك. ومن هذا المنطلق، يتعين على القادة الأكفاء ذوي الرؤى الثاقبة توجيه شركاتهم نحو غرس ثقافة عمل مثمرة تضع كوادرها البشرية في المقام الأول وتتسم بالشمول وتتبنى أرقى أسس الإبداع، لتتمكن من تحقيق الأهداف وتعزيز الأرباح، حتى في أحلك الظروف الاقتصادية. فهؤلاء القادة يدركون أهمية الالتزام بالمسار في مختلف الظروف، ويعرفون بدقة أهمية التكنولوجيا وتبسيط العمليات وتحسين الإنتاجية.

من رحم هذه التحديات والظروف الاستثنائية، تولد فرصة ثمينة لممتهني المالية والمحاسبة لإعادة تجديد دورهم ليكونوا قادة استراتيجيين خلال الأزمة. وهنا تحديداً يمكن للمحاسبة الإدارية لعب دور هام، حيث توجب على الشركات خلال الجائحة إعادة تقييم أوضاعها في الأسواق، وخدماتها ومنتجاتها لتحديد الخطوات المثلى للمضي قدماً على الطريق الصحيح. وفي حين ألقت هذه الأزمة المفاجئة بالضوء على عدد من مواطن الضعف الواجب تحسينها، حملت معها عدداً من الفرص الجديدة للنمو. وساعد المحاسبون الإداريون في تقييم تلك المجالات القابلة للتحسين حيثما أمكن ذلك، لينجحوا بالارتقاء بقدرتهم على خلق قيمة إضافية لمؤسساتهم عبر مساعدة ملاك الشركات الصغيرة في الحصول على صورة أكثر وضوحاً لأداء شركتهم الشامل.

ويمثل تركيز الأعمال ثاني العناصر الهامة لتحقيق المرونة المؤسسية. فقد بدا جلياً أن الشركات المرنة التي حققت الاستمرارية خلال الجائحة لديها خطط استراتيجية تتسم بالرشاقة والطموح والتطلع نحو المستقبل. ومع استجابة الشركات للجائحة، وضعت الشركات الذكية تقييم وضعها المالي حينها كأولوية رئيسية لتجنب اتخاذ خطوات لا تُحمد عقباها. أما الرؤساء التنفيذيون والمدراء الماليون الأذكياء، كانوا أولئك الذين سارعوا نحو إعادة تقييم الجدوى المالية لخططهم، وتوجهوا نحو توسيع نطاقها ناهيك عن توجيه التركيز نحو معالجة المشكلات الراهنة. وفي هذا الإطار، قاموا بإعادة النظر في مؤشرات الأداء الرئيسية. فقد منحت الجائحة لمسؤولي العمليات المالية، لاسيما المحاسبين الإداريين، الوقت اللازم لإعادة تقييم مقاييس إعداد التقارير. ومن بين العناصر الجديدة في هذا السياق العوامل البيئية الرئيسية وتحليلات توجهات الأسواق.

وتمثل عملية إعادة تقييم سبل التواصل مع العملاء لتحسين الثقة والمصداقية من المحركات الرئيسية لبلوغ الشركات مستويات المرونة المطلوبة وتحقيق النجاح، ولا يقتصر الأمر هنا على الشركات الكبيرة فحسب، وإنما على جميع الشركات من مختلف الأحجام. ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة وتيرة التفاعل مع العملاء، وعدم انتظار اتصالهم لإبداء رأيهم بخدمة أو منتج ما، بل على العكس من ذلك، المبادرة بالتواصل معهم وطلب آرائهم كي يشعروا بأهميتهم، والاستفادة من آرائهم ورؤاهم تلك لتحسين الخدمات.

أتاحت الجائحة للعديد من الشركات إعادة التواصل مع قاعدة عملائها عبر قنوات عدة، مع صياغة خطط تسويق مدروسة والاستثمار في تعزيز تجارب العملاء الشاملة. ومن الدروس الرئيسية المستفادة من الجائحة، هو أن الشركات المرنة تتبنى ثقافة عمل تضع الكوادر البشرية في المقام الأول من خلال توفير بيئة عمل داعمة للموظفين لإثراء معارفهم وإطلاق عنان إبداعهم وتطوير قدرتهم على طرح الأفكار الخلاقة. وعلى الرغم من أن هذه الصورة نألفها أكثر في الشركات الكبيرة، فإنه يمكن أن تكون أيضاً سمة رئيسية يمكن للشركات الصغيرة التركيز عليها لتأسيس تميزها، والحصول على ميزة تنافسية تمهد طريقها للتفوق على أقرانها.

وبذلك، نجد أن العناصر الرئيسية الثلاث للمرونة هي: القيادة الحكيمة؛ والتركيز على الأعمال؛ ووجود ثقافة تضع الكوادر البشرية في المقام الأول، وهذه العناصر تمثل ضامن ازدهار الشركات الصغيرة. وفي خضم مشهد اقتصادي متقلب، يعاني من تفاقم حالة التضخم وارتفاع مخاطر نشوب الحروب مع التوترات الجيوسياسية الراهنة وخشية عامة من تفشي موجات جديدة من الجائحة، تبرز المرونة كحاجة ماسة لعالم اليوم وستبقى كذلك في المستقبل. لذلك يتعين على الشركات، صغيرة كانت أم كبيرة، إعادة توجيه بوصلتها للعودة إلى الحياة الطبيعية قدر الإمكان. ومن هنا تحديداً يمكن للمحاسبين الإداريين مع زملائهم من فريق القيادة العليا تولي دور رئيسي لتكثيف الجهود وضمان الاستمرارية والمضي قدماً بمؤسساتهم نحو المستقبل متسلحين بأفضل مستويات المرونة.

فيسبوك
تويتر
واتسآب
إيميل
طباعة

أقرأ ايضاً