- جامعة الدول العربية هي مظلتنا الإقليمية “للأمن والتنمية”
1. قيل الكثير حول الأهداف المعلنة، أو المخفيّة، من وراء زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة منتصف شهر تموز الجاري. ورّوجت وسائل الدعاية الصهيونية أفكاراً مغرضة، وبعض هذه الأفكار المغرضة ليس بالجديد، بل يتردّد منذ سنوات. وأقصد بذلك الحديث المتكرّر عن دمج إسرائيل في المنطقة وإقامة أحلاف تحت مسمّيات مختلفة بين دول عربية وإسرائيل، بالتحديد ضدّ إيران، وشيطنة إيران والادعاءات أنها هي من يهدد أمن وسلام المنطقة لإبعاد الشبهة عن الخطر الصهيوني وممارسات إسرائيل بحق فلسطين والدول العربية الأخرى، والاحتلال الجاثم على الأراضي العربية والفلسطينية منذ أكثر من سبعة عقود وحصار غزّة، واستعمار الأراضي العربية والانتهاك الصهيوني المستمر للقانون الدولي والعدوان والحروب والتعدّي على المقدسات الإسلامية والمسيحية والقمع والقتل الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني.
2. من الواضح والطبيعي أن إسرائيل تسعى منذ سنين إلى دفن القضية الفلسطينية من خلال إغراق المنطقة بمشاريع مختلفة، وبتصوير نفسها على أنها المنقذ، لا المتعدي، ومن المؤسف أن هذه الأفكار الصهيونية لقيت من يمهّد لها ويدعمها في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويمارس الضغوط الابتزازية على بعض الدول العربية للقبول بها.
3. أما وقد أنهت قمّة جدّة أعمالها، فقد تبدّدت كل الشكوك وظهرت الحقائق: لا أحلاف ضدّ أي من دول المنطقة، ولا طمس للقضيّة الفلسطينية إذ أكد القادة العرب، أن قضيّة فلسطين هي القضية المركزيّة، وأن العجز الدولي عن حل هذه القضية على مدى العقود هو المسؤول عن ما تعاني منه المنطقة من عدم الاستقرار والعنف والتطرّف وفقدان الأمن وهدر المال والبلبلة السياسية وحتى التخلّف.
4. ما قاله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في جدّة من أن منطقتنا لن تشهد أمناً ولا سلاماً ولا استقراراً دون حل شامل وعادل للقضيّة الفلسطينية ودون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية المشروعة لم يكن إلا تكراراً لما أكدّه جلالته المرّة تلو الأخرى، ومن على كل منبر دولي منذ اعتلائه العرش قبل أكثر من عقدين من الزمان.
5. وهذا أيضاً ما أكدته القيادات العربية بدون استثناء سواء من شارك في لقاء جدّة أو لم يشارك وهو ما تؤكدّه تلك القيادات باستمرار وفي كل مناسبة. وبهذه المناسبة أعلن شخصيا اعتزازي وفخري بكافة قادة أمتنا لمواقفهم الموحدة تجاه قضايانا العربية المشتركة.
6. وأشير الى ان معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية وملحقها العسكري والموضحة تفاصيلها في ميثاق جامعة الدول العربية، والتي تنص المادة الثانية منها على ان الدول المتعاقدة تعتبر كل اعتداء مسلح يقع على اية دولة او اكثر منها اعتداء عليها جميعا، ولذلك فانها عملا بحق الدفاع المشترك – الفردي والجماعي – عن كيانها تلتزم بأن تبادر الى معونة الدولة او الدول المعتدى عليها.
7. إذن فشلت في جدّة كل المخططات التي سعت لتهميش القضيّة الفلسطينية، كما فشلت مخططات تحويل الكيّان الصهيوني من كيان متعدي إلى طرف منقذ.
8. ولكن وبالرغم من أن لقاء جدّة تم في ظروف عربية ودولية صعبة، وبالرغم من تبني الموقف الأمريكي للموقف الصهيوني بكل تفاصيله، ما شكلّ إجحافاً واضحاً بحق الفلسطينيين، كما ظهر جليّاً من خلال برنامج زيار الرئيس الأمريكي؛ بالرغم من كل ذلك لم تكن الأضرار بحجم ما ساور المراقب من مخاوف سابقة وتوقعات خطيرة.
9. وثمّة دروس يمكن استخلاصها وأهمها ما تحدّث به الرئيس الأمريكي عن أن بلاده لن تقلّص نفوذها في المنطقة وأنه لن يترك المجال للصين ولروسيا وإيران أن تملأ الفراغ في منطقتنا العربية.
10. هذا إيحاء خطير ومجحف. فلماذا يكون في المنطقة أي فراغ؟ لماذا تكون الأراضي الشاسعة التي يحتلها الوطن العربي، وهي الجسر الذي يتوسط ثلاث قارات، وهي الأرض التي تحتضن مهد أعظم الحضارات، ومنبت الأديان، والثروات والإمكانات الهائلة والتاريخ الغني العظيم والشعوب العريقة؛ لماذا تكون هذه الأراضي فارغة بانتظار من يملأ هذا الفراغ فيها؟ ان الجامعة العربية التي تأسست منذ أكثر من ثمانية عقود وواكبت العمل العربي هي التي عليها ان تملأ الفراغ؟
11. وأنا بالمناسبة أدعو الجامعة العربية لتمسك بزمام الأمور من جديد وتتحمل مسؤولياتها وتقدم للعالم نموذجاً متجدداً من نهج عربي موحدّ وصوت عربي ثابت يمثل، كما كان أصلاً، وكما يجب أن يكون، طموحات هذه الأمة ويتبنى قضاياها ويدافع عن حقوقها ويعيد القضيّة الفلسطينية كما كانت أصلاً “قضيّة جامعة الدول العربية”.
12. أدرك الصعوبات التي واجهتها جامعة الدول العربية ولا تزال؛ تلك الصعوبات الناجمة عن الخلافات العربية. ولكن هذا التحدي هو الفرصة.
13. آن الأوان، ونحن على أبواب قمة عربية قادمة أن يعاد النظر، بكل سلبيات الماضي، والتشرذم، والاختلاف وبعثرة الجهود التي نعيش آثارها الخطيرة، وأهمها تهميش دور الجامعة العربية.
14. ويجب أن ترفع العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر الجائر والأحادي، والذي تطال آثاره الشعب العربي ، وتمتد لتحرم لبنان أيضا من غازه ونفطه بحكم جواره لسوريا. وما هو المبرر القانوني لفرض هذا الحصار على سوريا واستغلال ثرواتها النفطية وادامة احتلال أجزاء هامة من أراضيها ودعم العصابات الإرهابية والانفصالية على حساب سيادتها وكرامة شعبها.
15. والشعب الليبي الحبيب الذي يعاني دون أي ذنب، في حين انه لو ترك وحده لشعبه الطيب في ظل مبادرة عربية لعالج اموره بنفسه، ولا أقول خلافاته، لأنه لا خلاف فيه أكثر من مجرد سوء تفاهم عائلي.
16. واليمن العزيز، أليس الأجدى على الجامعة العربية ان تقود خلاصة مشروع مصالحة يمنية يمنية. “لا بد من صنعاء وان طال الزمن”، وذلك تيمناً بقول ولي العهد السعودي اذ دعى الى “حل سياسي يمني – يمني”.
17. لماذا لا تكون الجامعة العربية هي الممثل الحقيقي لكل قضايا الدول الأعضاء، كما أريد لها أصلاً أن تكون، وهي المدافع عن حقوق أعضائها يمثل 22 دولة في المحافل الدولية بدلاً من أن تكافح كل دولة لوحدها دفاعاً عن حقوقها، وتضطر مكرهه للجوء للقوى الكبرى لحماية مصالحها، مقابل أثمان سياسية ومالية غير معقولة.
18. وبدلاً من ان تستفرد الدول العظمى بالدول العربية واحدة واحدة، لماذا لا يكون الحوار والتواصل بين الجامعة العربية – نيابة عن أعضائها – مع الدول الكبرى – الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وغيرها – في كل القضايا التي تهم الدول العربية مجتمعة أو منفردة.
19. جرت العادة أن يدعى قادة المنظمات الدولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي، وغيرها) لحضور بروتوكولي لاحتفالات القمم العربية. الأصح أن يُدعى ممثلون عن الدول الكبرى بالإضافة للمنظمات الدولية والاقليمية لمثل هذه اللقاءات لبحث قضايا جوهرية وليس للاحتفالات الشكلية.
20. لقد ساءت الأمور العربية مع الأسف لدرجة لا يجوز تجاهلها. آن الأوان لمراجعة جذرية وشاملة. أن الأوان لإحياء دور الجامعة العربية.